فصل: 1072- باب ما جاءَ أنّ لِكُلّ غَادِرٍ لوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1068- بابُ ما جاءَ في قبُولِ هَدَايا المُشرِكين

1579- حدثنا عليّ بنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيّ حدثنا عبدُ الرّحِيمِ بنُ سُلَيْمانَ عن إسْرَائِيلَ عن ثوَيْرٍ عن أبيهِ عن عليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنّ كِسْرَى أهْدَى له فَقَبِلَ، وَأنّ المُلُوكَ أهْدوا إليهِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن جَابرٍ‏.‏ وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَثُوَيْرٌ بنُ أبِي فَاختَةَ اسْمُهُ سعيدُ بنُ عِلاَقَةَ‏.‏ وَثُوْيرٌ يُكْنَى أبَا جَهْمٍ‏.‏

1580- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أبو داودَ عن عِمْرانَ القطّانِ عن قَتَادَةَ عن يَزِيدَ بن عبدِ الله ‏(‏هو ابنِ الشّخّيرِ‏)‏ عن عَيَاضِ بنِ حِمَارٍ‏:‏ ‏"‏أنّهُ أهْدَى للنبيّ صلى الله عليه وسلم هَدْيّة أو نَاقَة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أسْلَمْتَ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏:‏ قال‏:‏ فإنّي نُهِيْتُ عن زَبْدِ المشرِكِينَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ ومعنَى قوله‏:‏ ‏"‏إنّي نهِيتُ عَن زَبْدِ المشرِكِينَ‏"‏ يَعْنِي هَدَايَاهمْ‏.‏

وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ كَانَ يَقْبَلُ مِن المشرِكِينَ هَدَايَاهُم‏.‏ وذُكِرَ في هذا الحديثِ الكرَاهِيَةُ‏.‏ واحْتمَلَ أنْ يكُونَ هذا بَعْدَ ما كانَ يَقْبَلُ مِنهم ثم نَهَى عن هَدَايَاهُم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ثوير‏)‏ بضم الثاء المثلثة وفتح الواو مصغراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن كسرى‏)‏ بكسر الفاء وفتحها لقب ملوك الفرس ‏(‏فقبل منهم‏)‏ هذا الحديث من الأحاديث التي تدل على جواز قبول هدايا المشركين وهي كثيرة، وسيأتي التوفيق بينها وبين الأحاديث التي تدل على المنع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر‏)‏ قال العيني في شرح البخاري‏:‏ روى في هذا الباب عن جماعة من الصحابة عن جابر رضي الله عنه رواه ابن عدي في الكامل عنه، قال‏:‏ أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قارورة من غالية، وكان أول من عمل له الغالية‏.‏ قال العيني‏:‏ لم أجد في هدايا الملوك له صلى الله عليه وسلم من حديث جابر إلا هذا الحديث، والنجاشي كان قد أسلم، ولا مدخل للحديث في الباب إلا أن يكون أهداه له قبل إسلامه وفيه نظر، ويحتمل أن يراد بالنجاشي نجاشي آخر، من ملوك الحبشة لم يسلم كما في الحديث الصحيح عند مسلم من حديث أنس‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب قبل موته إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم الحديث‏.‏ وعن أبي حميد الساعدي قال‏:‏ غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه وأهدى ملك أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة وكتب له ببحرهم، أخرجه الشيخان‏.‏ وعن أنس أخرجه مسلم والنسائي من رواية قتادة عنه‏:‏ أن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس‏.‏ ولأنس حديث آخر رواه ابن عدي في الكامل من رواية علي بن زيد عن أنس‏:‏ أن ملك الروم أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ممشقة من سندس فلبسها، أورده في ترجمة علي وضعفه، قال العيني‏:‏ الممشقة بضم الميم الأولى، وفتح الثانية، وتشديد الشين المعجمة، وبالقاف هو الثوب المصبوغ بالمشق بكسر الميم، وهو المغيرة، ولأنس حديث آخر رواه أبو داود من رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس‏:‏ أن ملك ذي يزن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين ناقة فقبلها‏.‏ وعن بلال بن رباح أخرجه أبو داود عنه حديثاً مطولاً، وفيه ألم تر إلى الركائب المناخاة الأربع فقلت بلى‏.‏ فقال‏:‏ إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إليّ عظيم فدك، فاقبضهن فاقض دينك‏.‏ وعن حكيم بن حزام أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير من رواية عراك بن مالك أن حكيم بن حزام قال‏:‏ كان محمد أحب رجل في الناس إليّ في الجاهلية، فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين ديناراً ليديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى، قال عبد الله‏:‏ حسبته، قال‏:‏ إنا لا نقبل شيئاً من المشركين ولكن إن شئت أخذناها بالثمن، فأعطيته حين أبى على الهداية‏.‏ انتهى ما في شرح البخاري للعيني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أيضاً البزار وأورده في التلخيص ولم يتكلم عليه، وفي إسناده ثوير بن أبي فاختة وهو ضعيف قوله‏:‏ ‏(‏وثوير هو ابن أبي فاختة‏)‏ بخاء معجمة مكسورة ومثناة مفتوحة ‏(‏اسمه‏)‏ أي اسم أبي فاختة ‏(‏سعيد بن علاقة‏)‏ بكسر العين المهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عياض‏)‏ بكسر أوله وتخفيف التحتانية وآخره ضاد معجمة، ‏(‏بن حمار‏)‏ بكسر المهملة، وتخفيف الميم التميمي المجاشعي صحابي، سكن البصرة وعاش إلى حدود الخمسين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني نهيت‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏عن زبد المشركين‏)‏ بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة وفي آخره دال مهملة وهو الرفد والعطاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة وفي الباب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند موسى بن عقبة في المغازي أن عامر بن مالك الذي يدعي ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى له‏.‏ فقال‏:‏ إني لا أقبل هدية المشركين الحديث، قال في الفتح رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد وصله بعضهم ولا يصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واحتمل أن يكون هذا بعد ما كان يقبل منهم ثم نهى عن هداياهم‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ جمع الطبري بين هذه الأحاديث المختلفة بأن الامتناع فيما أهدى له خاصة، والقبول فيما أهدى للمسلمين، وفيه نظر لأن من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له صلى الله عليه وسلم خاصة‏.‏ وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام، وهذا أقوى من الأول، وقيل يحمل القبول على من كان من أهل الكتاب، والرد على من كان من أهل الأوثان، وقيل يمتنع ذلك لغيره من الأمراء وأن ذلك من خصائصه، ومنهم من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول، ومنهم من عكس، وهذه الأجوبة الثلاثة ضعيفة، فالنسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص انتهى كلام الحافظ‏.‏

قلت‏:‏ يدل على قول من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول ما رواه أحمد عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ قدمت قتيلة ابنة عبد العزي بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا ضباب وأقط وسمن وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا ينهاكم الله عن الدين لم يقاتلوكم في الدين‏}‏ إلى آخر الاَية‏.‏ فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها كذا في المنتقى‏.‏

ولا يبعد أن يقال من الأصل هو عدم جواز قبول هدايا المشركين، لكن إذا كانت في قبول هداياهم مصلحة عامة أو خاصة فيجوز قبولها والله تعالى أعلم‏.‏

1069- باب ما جاءَ في سَجْدَةَ الشّكْر

1581- حدثنا محمدُ بنُ المُثَنّى حدثنا أبو عَاصِمٍ حدثنا بَكارُ بنُ عبدِ العزيزِ بن أبي بَكْرَةَ عن أبيهِ عن أبي بكرةَ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أتَاهُ أمْرٌ فَسُرّ بهِ فَخَرّ لله ساجِداً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِن هذَا الوجهِ مِن حديثِ بَكّار بنِ عبدِ العزيزِ‏.‏ والعَمَلُ على هذا عندَ أكثرَ أهلِ الْعِلْمِ رَأَوْا سَجْدَةَ الشّكْرِ وبكار بن عبدالعزيز بن أبي بكرة مقارب الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة‏)‏ قال الحافظ صدوق يهم، ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي عبد العزيز بن أبي بكرة وهو صدوق ‏(‏عن أبي بكرة‏)‏، صحابي اسمه نقيع بن الحارث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسرّ به‏)‏ بصيغة المجهول أي فصار مسروراً به ‏(‏فخر‏)‏ من الخرور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ أخرجه الخمسة إلا النسائي، قال الشوكاني‏:‏ في إسناده بكار بن عبد العزيز وهو ضعيف عند العقيلي وغيره، وقال ابن معين‏:‏ إنه صالح الحديث انتهى، وقال الحافظ‏:‏ صدوق يهم‏.‏ وفي الباب أحاديث كثيرة قال البيهقي‏:‏ في الباب عن جابر وابن عمر وأنس وجرير وأبي جحيفة انتهى‏.‏ وقال المنذري‏:‏ وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء بإسناد صحيح، ومن حديث كعب بن مالك وغير ذلك انتهى‏.‏

قلت وفي الباب أيضاً عن عبد الرحمن بن عوف أخرجه أحمد والبزار والحاكم عن سعد بن أبي وقاص أخرجه أبو داود، وقال في المنتقى‏:‏ وسجد أبو بكر حين جاء قتل مسليمة، رواه سعيد بن منصور، وسجد على حين وجد ذا الثدية في الخوارج، رواه أحمد في مسنده، وسجد كعب بن مالك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه، وقصته متفق عليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، رأوا سجدة الشكر‏)‏ قال الشوكاني في النيل بعد ذكر أحاديث سجود الشكر ما لفظه‏:‏ وهذه الأحاديث تدل على مشروعية سجود الشكر، وإلى ذلك ذهب العترة وأحمد والشافعي‏.‏ وقال مالك، وهو مروي عن أبي حنيفة أنه يكره إذا لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم مع تواتر النعم عليه صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي رواية عن أبي حنيفة أنه مباح لأنه لم يؤثر، وإنكار ورود سجود الشكر عن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذين الإمامين مع وروده عنه صلى الله عليه وسلم من هذه الطرق التي ذكرها المصنف وذكرناها من الغرائب‏.‏ ومما يؤيد ثبوت سجود الشكر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سجدة ص‏:‏ هي لنا شكر ولداود توبة‏.‏

1070- باب ما جاء في أمَانِ العبد والمرأة

1582- حدثنا يحيى بنُ أكْثَمَ حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ أبي حَازِمٍ عن كَثِيرِ بن زَيْدٍ عن الوَلِيدِ بن رَبَاحٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إنّ المرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْم يَعْنِي تُجُيِرُ على المسْلِمينَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أُمّ هانئ وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وسألت محمداً فقال هذا حديث صحيح وكثير بن زيد قد سمع من الوليد بن رباح والوليد بن رباح سمع قد أبى هريرة وهو مقارب الحديث‏.‏

حدثنا أبو الوَلِيدِ الدّمَشْقِيّ حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ أخبَرَنِي ابنُ أبي ذب عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عن أبي مُرّةَ مولى عَقِيلِ بن أبي طَالِبٍ عن أُمّ هانئ أنهَا قالت‏:‏ ‏"‏أجَرْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أحْمائِي، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قَدْ أمّنّا مَنْ أمّنْتِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ، أجازُوا أمانَ المرْأةِ‏.‏ وهو قَوْلُ أحمدَ وإسحاقَ، أجَازَا أمَانَ المرْأةِ والعَبْدِ‏.‏ وقد رُوِيَ من غير وجه‏.‏ وأبو مُرّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بنِ أبي طَالِبٍ، ويُقَالُ له أيْضاً مَوْلَى أُمّ هَانِئ، واسْمُهُ يَزِيدُ وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه أجاز أمان العبد‏.‏

وقد روي عن عليّ بنِ أبي طَالِبٍ وعبدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ذِمّةُ المسْلِمِينَ واحِدَةٌ يَسْعَى بها أدْنَاهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى مَعْنَى هذا عندَ أهلِ العلمِ أنّ مَنْ أعْطَى الأمانَ مِنَ المسْلِمِينَ فَهُوَ جَائِزٌ عن كُلّهِمْ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن المرأة لتأخذ للقوم‏)‏ أي تأخذ الأمان على المسلمين، أي جاز أن تأخذ المرأة المسلمة الأمان للقوم ‏(‏يعني تجير على المسلمين‏)‏ يقال أجرت فلاناً على فلان أغثته منه ومنعته، وإنما فسره به لإبهامه، فإن مفعول قوله لتأخذ محذوف أي الأمان والدال عليه قرائن الأحوال قاله الطيبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أم هانئ‏)‏‏.‏ أخرجه الشيخان، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، وأخرجه الترمذي أيضاً مختصراً في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن غريب‏)‏ ذكره الشوكاني في النيل وسكت عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي مرة‏)‏ بضم الميم وشدة الراء اسمه يزيد مدني مشهور بكنيته ثقة من الثالثة ‏(‏عن أم هانئ‏)‏ بكسر نون وبهمزة اسمها فاختة وقيل عاتكة وقيل هند بنت أبي طالب أسلمت عام فتح مكة ‏(‏أجرت رجلين من أحمائي‏)‏ جمع حمو قريب الزوج ‏(‏قد أمنا‏)‏ أي أعطينا الأمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان مطولاً‏.‏

1071- باب ما جاءَ في الغَدْر

1583- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبو داودَ قال أنْبَأنا شُعْبَةُ قال أخبَرَنِي أبو الفَيْضِ قال‏:‏ سَمِعْتُ سُلَيْمَ بن عَامِرٍ يقُولُ‏:‏ ‏"‏كان بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وبَيْنَ أهلِ الرّومِ عَهْدٌ، وكانَ يَسِيرُ في بِلاَدِهم، حتى إذا انْقَضَى العَهْدَ أغَارَ عليهمْ، فإذا رَجُلٌ على دَابة أو على فَرَسٍ وهو يقولُ الله أكْبَرُ وَفَاءٌ لاَ غَدْرٌ، وإذا هُوَ عَمْرو بن عَبَسَةَ، فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عن ذلكَ، فقالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ مَنْ كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فلا يَحُلّنّ عَهْداً ولا يَشُدّنّهُ حتّى يَمْضِي أمَدُهُ أو يَنْبِذَ إليهِم عَلَى سَوَاء، قال‏:‏ فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بالناسِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أبو الفيض‏)‏ اسمه موسى بن أيوب، ويقال ابن أبي أيوب المهري الحمصي مشهور بكنيته ثقة من الرابعة ‏(‏قال سمعت سليم بن عامر‏)‏ بضم السين، وفتح اللام مصغراً الكلاعي ويقال الخبائري الحمصي ثقة من الثالثة غلط من قال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان بين معاوية وبين أهل الروم عهد‏)‏ أي إلى وقت معهود ‏(‏وكان يسير في بلادهم‏)‏ أنه يذهب معاوية قبل انقضاء العهد ليقرب من بلادهم حين انقضى العهد ‏(‏حتى إذا انقضى العهد‏)‏ أي زمانه ‏(‏وهو يقول الله أكبر وفاء لا غدر‏)‏ فيه اختصار وحذف لضيق المقام أي ليكن منكم وفاء لا غدر، يعني بعيد من أهل الله وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ارتكاب الغدر، وللاستبعاد صدر الجملة بقوله الله أكبر ‏(‏وإذا هو عمرو بن عبسة‏)‏ بفتح العين المهملة والباء الموحدة والسين المهملة، كنيته أبو نجيح أسلم قديماً في أول الإسلام قيل كان رابع أربعة في الإسلام عداده في الشاميين، قال في شرح السنة‏:‏ وإنما كره عمرو بن عبسة ذلك لأنه إذا هادنهم إلى مدة وهو مقيم في وطنه، فقد صارت مدة مسيرة بعد انقضاء المدة المضروبة كالمشروط مع المدة في أن لا يغزوهم فيها، فإذا صار إليهم في أيام الهدنة كان إيقاعه قبل الوقت الذي يتوقعونه فعد ذلك عمرو غدراً، وأما إن نقض أهل الهدنة بأن ظهرت منهم خيانة فله أن يسير إليهم على غفلة منهم، ‏(‏فسأله معاوية عن ذلك‏)‏ أي عن دليل ما ذكره ‏(‏فلا يحلن عهداً‏)‏ أي عقد عهد ‏(‏ولا يشدنه‏)‏ أراد به المبالغة عن عدم التغيير وإلا فلا مانع من الزيادة في العهد والتأكيد‏.‏ والمعنى لا يغيرن عهداً ولا ينقضه بوجه ‏(‏حتى يمضي أمده‏)‏ بفتحتين أي تنقضي غايته ‏(‏أو ينبذ‏)‏ بكسر الباء أي يرمي عهدهم ‏(‏إليهم‏)‏ بأن يخبرهم بأنه نقض العهد على تقدير خوف الخيانة منهم ‏(‏على سواء‏)‏ أي ليكون خصمه مساوياً معه في النقض كيلاً يكون ذلك منه غدراً، لقوله تعالى ‏{‏وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء‏}‏ قال الطيبي‏:‏ على سواء حال، قال المظهر‏:‏ أي يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم وأن الصلح قد ارتفع، فيكون الفريقان في علم ذلك سواء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود‏.‏

1072- باب ما جاءَ أنّ لِكُلّ غَادِرٍ لوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَة

1584- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ قال حدثني صَخْرُ بن جُوَيْرِيَةَ، عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ قال سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ إنّ الغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القيامة‏.‏

قال وفي الباب عن عليّ وعبدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وأبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ وأنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وسألت محمداً عن حديث سويد عن أبي اسحاق عن عمارة بن عمر عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لكل غادرٍ لواء‏"‏ فقال ر أعرف هذا الحديث مرفوعاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني صخر بن جويرية‏)‏ أبو نافع مولى بني تميم أو بني هلال، قال أحمد ثقة، وقال القطان ذهب كتابة ثم وجده فتكلم فيه لذلك من السابعة ‏(‏إن الغادر‏)‏ الغدر ضد الوفاء أي الخائن لإنسان عاهده أو أمنه ‏(‏لواء‏)‏ أي علم خلفه تشهيراً له بالغدر وتفضيحاً على رؤوس الأشهاد ‏(‏يوم القيامة‏)‏ زاد في رواية أبي داود وغيره‏:‏ فيقال هذه غدرة فلان بن فلان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وعبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري وأنس‏)‏ أما حديث علي وابن مسعود فلينظر من أخرجه، وأما حديث علي فأخرجه مسلم وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي‏.‏

1073- باب ما جاءَ في النّزُولِ على الحُكْم

أي نزول العدو على حكم رجل من المسلمين

1585- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابرٍ أنه قال‏:‏ ‏"‏رُمِيَ يَوْمَ الأحزابِ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ فَقَطَعُوا أكحَلَهُ أو أبْجَلَهُ، فحسَمَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالنارِ فانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَتَرَكَهُ فَنَزَفَهُ الدّمُ فَحَسَمَهُ أخرى فانْتَفَخَتْ يَدَهُ، فَلَمّا رأَى ذلكَ قالَ‏:‏ اللّهُمّ لا تُخْرِجْ نَفْسِي حتى تُقِرّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ فما قَطَرَ قَطْرَةً حتى نَزَلُوا على حُكْمِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ‏.‏ فأرسلَ إليه فَحَكَمَ أنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُمْ وَيسْتَحيَى نِسَاؤُهُمْ يَسْتَعِينُ بِهِنّ المُسْلِمُونَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصَبْتَ حُكْمَ الله فيهم، وكانوا أربَعمائةٍ، فلمّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِم انْفَتَقَ عِرْقُهُ فَمَاتَ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن أبي سَعِيدٍ وعَطَيّةَ القُرَظِيّ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1586- حدثنا أحمد بن عبدالعزيز حدثنا أبو الوَلِيدِ الدّمَشْقِيّ، حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عن سَعِيدٍ بنِ بَشِيرٍ عن قَتَادَةَ عن الحسَنِ عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏اقْتُلُوا شُيُوخَ المشرِكِينَ واسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ‏"‏ وَالشّرْخُ‏:‏ الغِلْمَانُ الذّينَ لم يُنْبِتُوا‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ ‏(‏صحيحٌ‏)‏ غريبٌ‏.‏

وَرَوَاهُ حَجّاجُ بنُ أرْطَأَةَ عن قَتَادَةَ نَحْوَهُ‏.‏

1587- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن عبدِ الملكِ بن عُمَيْرٍ عن عَطِيّةَ القُرَظِيّ‏:‏ ‏"‏قال عُرِضْنَا على النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ فكانَ من أنْبَتَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلّى سبيلَهُ، فكُنْتُ مِمّنَ لم يُنْبِتْ فَخَلى سَبِيلِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ الْعِلْمِ أنهم يَرَوْنَ الإنْبَاتَ بُلُوغاً إن لَمْ يُعْرَفْ احْتِلاَمُهُ ولا سِنّهُ‏.‏ وهو قَوْلُ أحمدَ وَإسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رمي يوم الأحزاب‏)‏ أي يوم غزوة الخندق ‏(‏سعد بن معاذ‏)‏ نائب الفاعل ‏(‏فقطعوا‏)‏ أي الكفار ‏(‏أكحلة‏)‏ أي أكحل سعد، والأكحل عرق في وسط الذراع يكثر قصده ‏(‏أو‏)‏ للشك ‏(‏أبحلة‏)‏ الأبحل بالموحدة والجيم عرق في باطن الذراع ‏(‏فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار‏)‏ أي قطع الدم عنه بالكي ‏(‏فنزفه‏)‏ أي خرج منه دم كثير حتى ضعف ‏(‏فحسمه أخرى‏)‏ أي مرة أخرى ‏(‏فلما رأى ذلك‏)‏ أي فلما رأى سعد عدم قطع الدم ‏(‏اللهم لا تخرج نفسي‏)‏ من الإخراج ‏(‏حتى تقر عيني‏)‏ من الإقرار وهو من القر بمعنى البرد‏.‏ والمعنى لا تميتني حتى تجعل قرة عيني من هلاك بني قريظة ‏(‏فحكم أن تقتل رجالهم وتستحيي نساؤهم‏)‏ وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين‏:‏ فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم ‏(‏يستعين بهن المسلمون‏)‏ أي تقسم نساؤهم بين المسلمين فيستعينون بهن ويستخدمون منهن ‏(‏وكانوا أربعمائة‏)‏ اختلف في عدتهم فعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستمائة وبه جزم أبو عمر بن عبد البر في ترجمة سعد بن معاذ، وعند ابن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبعمائة، وفي حديث جابر هذا كانوا أربعمائة فيجمع أن الباقين كانوا أتباعاً‏.‏ وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل إنهم كانوا تسعمائة ‏(‏انفتق عرقه‏)‏، أي انفتح‏.‏ وفي الحديث دليل على أنه يجوز نزول العدو على حكم من المسلمين ويلزمهم ما حكم به عليهم من قتل أو أسر واسترقاق‏.‏ وقد ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة لما نزلوا على حكم سعد جلسوا في دار بنت الحارث، وفي رواية أبي الأسود عن عروة بن دار أسامة بن زيد، ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في البيتين، ووقع في حديث جابر عند ابن عائذ التصريح بأنهم جعلوا في بيتين‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخندق وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأسهم للخيل، فكان أول يوم وقعت فيه السهمان لها، وعند ابن سعد من مرسل حميد بن بلال أن سعد بن معاذ حكم أيضاً أن تكون دورهم للمهاجرين دون الأنصار، فلامه الأنصار، فقال إني أحببت أن يستغنوا عن دوركم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد وعطية القرظي‏)‏ أما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث عطية القرظي فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي وابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اقتلوا شيوخ المشركين‏)‏ أي الرجال الأقوياء أهل النجدة والبأس لا الهرمي الذين لا قوة لهم ولا رأي ‏(‏واستحيوا‏)‏ وفي رواية واستبقوا ‏(‏شرخهم‏)‏ بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وبالخاء المعجمة، قال المناوي أي المراهقين الذين لم يبلغوا الحلم، فيحرم قتل الأطفال والنساء انتهى‏.‏ ‏(‏والشرخ الغلمان الذين لم ينبتوا‏)‏ من الإنبات أي لم ينبت شعر عانتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عطية القرظي‏)‏ بضم القاف وفتح الراء بعدها ظاء مشالة صحابي صغير له حديث يقال، سكن الكوفة ‏(‏قال عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي المشكاة قال‏:‏ كنت في سبي بني قريظة الخ ‏(‏يوم قريظة‏)‏ يعني يوم غزوة بني قريظة ‏(‏فكان من أنبت‏)‏ أي الشعر ‏(‏قتل‏)‏ فإنه من علامات البلوغ فيكون من المقاتلة ‏(‏فخلى سبيله‏)‏ أي لم يقتل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدارمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنهم يرون الإنبات بلوغاً إن لم يعرف احتلامه ولا سنة‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ وإنما اعتبر الإنبات في حقهم لمكان الضرورة، إذ لو سئلوا عن الاحتلام أو مبلغ سنهم لم يكونوا يتحدثوا بالصدق إذ رأوا فيه الهلاك انتهى ‏(‏وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ فقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب حد بلوغ الرجل والمرأة‏.‏

1074- باب ما جاءَ في الْحِلْف

بكسر الحاء وسكون اللام وبالفاء‏.‏

1588- حدثنا حُمَيْدُ بن مَسْعَدَةَ، حدثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، حدثنا حُسَيْنٌ المُعَلّمُ عن عَمْرِو بنِ شُعيْبٍ عن أبيهِ عن جَدّهِ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال في خُطْبَتِهِ‏:‏ ‏"‏أوْفُوا بِحلْفِ الْجَاهِلِيّةِ فإنه لا يَزيدُهُ يعني الإسلامُ إلاّ شِدّةً، ولا تُحْدِثُوا حِلْفاً في الإسلامِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ عَوْفٍ وَأُمّ سَلَمَةَ وَجُبَيْر بنِ مُطْعِمٍ وأبي هريرةَ وابنِ عباسٍ وَقَيْسِ بنِ عَاصِمٍ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله ‏(‏أوفوا‏)‏ من الوفاء وهو القيام بمقتضى العهد ‏(‏بحلف الجاهلية‏)‏ أي العهود التي وقعت فيها مما لا يخالف الشرع لقوله تعالى ‏"‏أوفوا بالعقود‏"‏ لكنه مقيد بما قال الله تعالى ‏"‏وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان‏"‏ ‏(‏فإنه‏)‏ أي الإسلام ‏(‏لا يزيده‏)‏ أي حلف الجاهلية الذي ليس بمخالف للإسلام ‏(‏إلا شدة‏)‏ أي شدة توثق فيلزمكم الوفاء به‏.‏ قال القاري‏:‏ فإن الإسلام أقوى من الحلف، فمن استمسك بالعاصم القوي استغنى عن العاصم الضعيف، قال في النهاية‏:‏ أصل الحلف المعاقدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا حلف في الإسلام، وما كان منه في الجاهلية على نصرة المظلوم وصلة الأرحام ونحوهما فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ‏(‏ولا تحدثوا‏)‏ من الإحداث أي لا تبتدعوا ‏(‏حلفاً في الإسلام‏)‏ قال المناوي‏:‏ لا تحدثوا فيه محالفة بأن يرث بضعكم بعضاً فإنه لا عبرة فيه انتهى‏.‏ وقال القاري‏:‏ أي لأنه كاف في وجوب التعاون قال الطيبي‏:‏ التنكير فيه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون للجنس أي لا تحدثوا حلفاً ما والاَخر أن يكون للنوع، قال القاري‏:‏ الظاهر هو الثاني، ويؤيده قول المظهر يعني إن كنتم حلفتم في الجاهلية بأن يعين بعضكم بعضاً ويرث بعضكم من بعض فإذا أسلمتم فأوفوا به فإن الإسلام يحرضكم على الوفاء به، ولكن لا تحدثوا محالفة في الإسلام بأن يرث بعضكم من بعض انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف الخ‏)‏ أما حديث جبير بن مطعم فأخرجه مسلم وأبو داود عنه مرفوعاً‏:‏ لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة‏.‏ وأما أحاديث عبد الرحمن وغيره فلينظر من أخرجها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

1075- باب في أخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ المَجُوس

الجزية من جزأت الشيء إذا قسمته ثم سهلت الهمزة، وقيل من الجزاء أي لأنها جزاء تركهم ببلاد الإسلام، أو من الإجزاء لأنها من تواضع عليه في عصمة دمه، قال الله تعالى ‏{‏حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون‏}‏ أي ذليلون حقيرون، وهذه الاَية هي الأصل في مشروعية الجزية، ودل منطوق الاَية مع أهل الكتاب، ومفهومها أن غيرهم لا يشاركهم فيها‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب، وعلى المجوس بالسنة‏.‏ واحتج غيره بعموم قوله في حديث بريدة وغيره‏:‏ فإذا ألفيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا فالجزية‏.‏ واحتجوا أيضاً بأن أخذها من المجوس يدل على ترك مفهوم الاَية، فلما انتقى تخصيص أهل الكتاب بذلك دل على أن لا مفهوم لقوله من أهل الكتاب، وأجيب بأن المجوس كان لهم كتاب ثم رفع‏.‏ وروى الشافعي وغيره حديثاً عن علي‏.‏ ذكره الحافظ في الفتح بإسناد حسن‏.‏

1589- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ، حدثنا الْحَجّاجُ بنُ أرْطَأَةَ عن عَمْرِو بنِ دينارٍ عن بَجَالَةَ بنِ عَبْدَةَ قال‏:‏ كُنْتُ كاتباً لِجَزْءِ بنِ مُعَاوِيَةَ على مَنَاذِرَ، فجاءَنا كِتَابُ عُمَرَ‏:‏ انْظُرْ مَجُوسَ مَنْ قِبَلَكَ فَخُذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، فإنّ عبدَ الرحمَنِ بنَ عَوْفٍ أخْبَرَنِي أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

1590- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عن عمرو بن دينارٍ عن بَجَالَةَ‏:‏ ‏"‏أنّ عُمَرَ كان لا يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنَ المَجُوسِ حتى أخْبَرهُ عبْدُ الرحمَنِ بنُ عَوْفٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ‏"‏‏.‏

وفي الحديثِ كَلاَمٌ أكْثَرُ مِنْ هذا‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1591- حدثنا الحسن بن ابي كبشة البصريّ حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن مالك عن الزهري عن الساتب بن يزيد قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس البحري وأخذها عمر من فارس وأخذها عثمان من الفرس، وسألت محمداً عن هذا‏؟‏ فقال هو مالك عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بجالة‏)‏ بفتح الموحدة وتخفيف الجيم ‏(‏بن عبدة‏)‏ التميمي مكي ثقة ويعد في أهل البصرة ‏(‏قال كنت كاتباً لجزء بن معاوية‏)‏ بفتح الجيم وسكون الزاي وبهمزة هو تميمي تابعي كان والي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالأهواز ‏(‏على مناذر‏)‏ بفتح الميم اسم موضع ‏(‏انظر مجوس من قبلك‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة ‏(‏أخذ الجزية من مجوس هجر‏)‏ بفتح هاء وجيم قاعدة أرض البحرين كذا في المغنى وهو غير منصرف، قال الطيبي‏:‏ اسم بلد باليمن يلي البحرين واستعماله على التذكير والصرف‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ هجر محركة بلد باليمن بينه وبين عثر يوم وليلة مذكر مصروف وقد يؤنث ويمنع، واسم لجميع أرض البحرين وقرية كانت قرب المدينة ينسب إليها القلال وتنسب إلى هجر اليمنى‏.‏ قال في شرح السنة‏:‏ أجمعوا على أخذ الجزية من المجوس، وذهب أكثرهم إلى أنهم ليسوا من أهل الكتاب وإنما أخذت الجزية منهم بالسنة كما أخذت من اليهود والنصارى بالكتاب، وقيل هم من أهل الكتاب‏.‏ روى عن علي كرم الله وجهه قال‏:‏ كان لهم كتاب يدرسونه فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع بين أظهرهم كذا في المرقاة‏.‏

قلت‏:‏ قال الحافظ‏:‏ روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي‏:‏ كان المجوس أهل كتاب يقرأونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال إن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فأسرى على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء انتهى‏.‏ والحديث دليل على أن المجوس يؤخذ منهم الجزية‏.‏ وفرق الحنفية فقالوا تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب، وحكى الطحاوي عنهم يقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع كفار العجم ولا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف‏.‏ وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد، وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام انتهى‏.‏ وقال القاري في شرح حديث بريدة الاَتي في باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم في القتال ما لفظه‏:‏ والحديث مما يستدل به مالك والأوزاعي ومن وافقهما على جواز أخذ الجزية من كل كافر عربياً كان أو عجمياً كتابياً أو غير كتابي‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ تؤخذ الجزية من جميع الكفار إلا من مشركي العرب ومجوسهم‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس أعراباً كانوا أو أعاجم، ويحتج بمفهوم الاَية وبحديث‏:‏ سنوا به سنّة أهل الكتاب، وتأول هذا الحديث على أن المراد بهؤلاء أهل الكتاب لأن اسم المشرك يطلق على أهل الكتاب وغيرهم وكان تخصيصه معلوماً عند الصحابة انتهى ما في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الحديث كلام أكثر من هذا‏)‏ لهذا الحديث طرق وألفاظ بعضها اختصار وفي بعضها طول ذكرها الشوكاني في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أصله في صحيح البخاري‏.‏

1076- باب ما يَحِلّ مِنْ أمْوَالِ أهْلِ الذّمَة

1592- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عن أبي الخَيْرِ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ قال‏:‏ ‏"‏قُلْتُ يَا رسولَ الله إنّا نمُرّ بِقَوْمٍ فَلاَهُمْ يُضَيّفُونا، ولا هُمْ يُؤَدّونَ مَا لَنا عَليهم من الْحَقّ، وَلا نُ نَأْخُذُ مِنْهُمْ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنْ أبَوْا إلاّ أنْ تَأْخُذُوا كَرْهاً فَخُذُوا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وقد رَوَاهُ اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ أيْضاً‏.‏

وإنّمَا مَعْنَى هَذَا الحديثِ أنهم كانوا يَخْرُجُونَ في الغَزْوِ فَيَمُرّونَ بِقَوْمٍ ولا يَجِدُونَ مِنَ الطّعَامِ ما يَشْتَرُونَ بالثّمَنِ‏.‏ وقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنْ أبَوْا أنْ يَبِيعُوا إلاّ أنْ تأْخُذُوا كَرْهاً فَخُذُوا‏"‏‏.‏ هكَذَا رُوِيَ في بعضِ الحديثِ مُفَسّراً‏.‏

وقد رُوِيَ عن عُمَرَ بنِ الخطّابِ رشي الله عنه أنه كان يأْمُرُ بِنَحْوِ هَذَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الخير‏)‏ اسمه مرثد بن عبد الله اليزني المصري ثقة فقيه من الثالثة ‏(‏إنما نمر بقوم‏)‏ أي من أهل الذمة أو من المسلمين ‏(‏فلاهم يضيفونا‏)‏ بتشديد النون وكان أصله يضيفوننا من الإضافة ‏(‏إن أبوا‏)‏ أي إن امتننعوا من الإضافة وأداء ما لكم عليهم من الحق ‏(‏إلا أن تأخذوا كرهاً‏)‏ بفتح الكاف أي جبراً ‏(‏فخذوا‏)‏ أي كرهاً، قال الخطابي‏:‏ إنما كان يلزم ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم حيث لم يكن بيت مال‏.‏ وأما اليوم فأرزاقهم في بيت المال لا حق لهم في أموال المسلمين‏.‏ وقال ابن بطال‏:‏ قال أكثرهم إنه كان هذا في أول الإسلام حيث كانت المواساة واجبة وهو منسوخ بقوله ‏"‏جائزته‏"‏ كما في حديث أبي شريح الخزاعي مرفوعاً‏:‏ من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليكرم ضيفه جائزته الحديث، قالوا‏:‏ والجائزة تفضل لا واجب‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ الذي ينبغي عليه التعويل هو أن تخصيص ما شرعه صلى الله عليه وسلم لأمته بزمن من الأزمان أو حال من الأحوال لا يقبل إلا بدليل، ولم يقم ههنا دليل على تخصيص هذا الحكم بزمن النبوة وليس فيه مخالفة للقواعد الشرعية، لأن مؤنة الضيافة بعد شرعتها قد صارت لازمة للمضيف لكل نازل عليه، فللنازل المطالبة بهذا الحق الثابت شرعاً كالمطالبة بسائر الحقوق، فإذا أساء إليه بإهمال حقه كان له مكافأة بما أباحه له الشارع في هذا الحديث ‏(‏وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مثل ما اعتدى عليكم‏)‏ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ كما أن تأويل هذا الحديث بتخصيصه بزمنه صلى الله عليه وسلم ضعيف كذلك تأويلاته الأخرى التي تأولوه بها ضعيفة لا دليل عليها، قال النووي‏:‏ حمل أحمد والليث الحديث على ظاهره، وتأوله الجمهور على وجوه‏:‏ أحدها أنه محمول على المضطرين فإن ضيافتهم واحبة، وثانيها أن معناه أن لكم أن تأخذوا من أعراضهم بألسنتكم وتذكروا للناس لؤمهم، وثالثها أن هذا كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة، فلما أشيع الإسلام نسخ ذلك، وهذا التأويل باطل الاَن الذي ادعاه المؤول لا يعرف قاتله، ورابعها أنه محمول على من مر بأهل الذمة الذين شرط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين، وهذا أيضاً ضعيف لأنه إنما صار هذا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انتهى‏.‏ قلت‏:‏ التأويل الثاني أيضاً باطل قال القاري بعد ذكره‏:‏ ما أبعد هذا التأويل عن سواء السبيل انتهى‏.‏ والتأويل الأول أيضاً ضعيف لا دليل عليه، فالظاهر هو ما قال أحمد والليث من أن الحديث محمول على ظاهره ألا وقد قرره الشوكاني، وأما المعنى الذي ذكره الترمذي وقال هكذا روى في بعض الحديث مفسراً فإني لم أقف على هذا الحديث، فإن كان هذا الحديث المفسر قابلاً للاحتجاج فحمل حديث الباب على هذا المعنى متعين والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ أصله في الصحيحين‏.‏

1077- باب ما جَاءَ في الهجْرَة

1593- حدثنا أحمدُ بن عَبْدَةَ الضّبيّ، حدثنا زِيَادُ بنُ عبدِ الله، حدثنا مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ عن مُجَاهِدٍ عن طَاوسٍ عن ابن عباسٍ عنهُ‏.‏ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ‏:‏ ‏"‏لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيّةٌ، وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن أبي سَعِيدٍ وعبدِ الله بنِ عَمْرٍو وعبدِ الله بن حُبْشى‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رَوَاهُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن مَنْصُورِ بنِ المُعْتَمِرِ نَحْوَ هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا هجرة بعد الفتح‏)‏ أي فتح مكة‏.‏ قال الخطابي وغيره‏:‏ كان الهجرة فرضاً في أو الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجاً فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى‏.‏ وكانت الحكمة أيضاً في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار، فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم، إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت ‏{‏إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كُنّا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها‏}‏ الاَية، وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها‏.‏ وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعاً‏:‏ لا يقبل الله من مشرك عملاً بعدما أسلم ويفارق المشركين‏.‏ ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعاً‏:‏ أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين‏.‏ وهذا محمول على من لم يأمن على دينه ‏(‏ولكن جهاد ونية‏)‏ قال الطيبي وغيره‏:‏ هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله، والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت، إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم، والفرار بالدين من الفتن، والنية في جميع ذلك ‏(‏وإذا استنفرتم فانفروا‏)‏ قال النووي‏:‏ يريد أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة، وإذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن حبشي‏)‏ وأما حديث هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلينظر من أخرجها‏.‏

‏(‏وهذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه‏.‏

1078- باب ما جاءَ في بَيْعَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم

1594- حدثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأمَوِيّ، حدثنا عيسَى بنُ يونُسَ عن الأوْزَاعِيّ عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عن أبي سَلَمَةَ عن جَابِرِ بن عبدِ الله في قَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشّجَرَةِ‏}‏‏.‏ قال جَابِرٌ‏:‏ ‏"‏بَايَعْنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على أنْ لا نَفِرّ وَلَمْ نُبَايَعْهُ على المَوْتِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ وَابنِ عُمَرَ وَعُبَادَةَ وَجَرِيرِ بنِ عبدِ الله‏.‏

قال أبو عيسى وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن عيسى بن يُونُسَ عن الأوْزَاعِيّ عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ، قالَ‏:‏ قالَ جابِرُ بنُ عبدِ الله وَلَمْ يَذُكَرْ فيهِ أبو سَلَمَةَ‏.‏

1595- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حَاتِمُ بنُ إسماعيلَ عن يَزِيدَ بنِ أبي عُبَيْدٍ قال‏:‏ ‏"‏قُلْتُ لِسَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ‏:‏ على أيّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيةِ‏؟‏ قال‏:‏ على المَوْتِ‏"‏‏.‏

‏(‏هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏)‏‏.‏

1596- حدثنا عليّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إسماعيلُ بنُ جَعْفَرٍ عن عبدِ الله بنِ دينارٍ عن ابنِ عُمَرَ قال‏:‏ كُنّا نُبَايِعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السّمْعِ والطاعَةِ، فَيَقُولُ لَنَا فِيما اسْتَطَعْتُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ كلاهما‏.‏

1597- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن أبي الزّبَيرِ عن جَابِرِ بنِ عبدِ الله قال‏:‏ ‏"‏لَمْ نُبَايِعْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على المَوْتِ إنّمَا بَايَعْنَاهُ على أن لا نَفِرّ‏"‏ قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح حتى ومعنى كلا الحديثين صحيح قد بايعه قوم من أصحابه على الموت وإنما قالوا لا نزال بين يديك حتى نقتل وبايعه آخرون فقالوا لا نفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ يبايعوك‏)‏ أي بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ولا يسفروا ‏(‏تحت الشجرة‏)‏ كانت هذه الشجرة سمرة ‏(‏بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت‏)‏‏.‏ وفي حديث يزيد بن أبي عبيد الاَتي قال‏:‏ قلت لسلمة بن الأكوع‏:‏ على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، قال‏:‏ على الموت، ولا تنافي بين هذين الحديثين لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين أو أحدهما يستلزم الاَخر، قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سلمة بن الأكوع وابن عمر وعبادة وجرير بن عبد الله‏)‏ أما حديث سلمة فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري‏.‏ وأما حديث عبادة فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث جرير بن عبد الله فأخرجه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال على الموت‏)‏ أي بايعنا على الموت، والمراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت، فليس بين هذا الحديث والذي قبله منافاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه البخاري وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيقول‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏فيما استطعتم‏)‏ هذا يقيد ما أطلق في أحاديث أخرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا‏)‏ أي حديث جابر ‏(‏حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومعنى كلا الحديثين صحيح‏)‏ أي لا مخالفة بينهما، والمراد بالحديثين، حديث جابر وحديث سلمة بن الأكوع‏.‏

1079- باب ما جاء في نَكْثِ البَيْعَة

أي نقضها، والنكث‏:‏ نقض العهد‏.‏

1598- حدثنا أبو عَمّارٍ، حدثنا وَكِيعٌ عن الأعْمَشِ عن أبي صَالحٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثَلاَثَةٌ لا يُكَلّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولا يُزَكّيهِم وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ‏:‏ رَجُلٌ بَايَعَ إمَاماً فإنْ أعطَاهُ وَفَى لَهُ، وإن لم يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وعلى ذلك الأمر برا اختلافٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة‏)‏ قال النووي‏:‏ قيل معنى لا يكلمهم الله تكليم من رضي عنه بإظهار الرضا بل بكلام يدل على السخط‏.‏ وقيل المراد أنه يعرض عنهم، وقيل لا يكلمهم كلاماً يسرهم، وقيل لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية ومعنى لا ينظر إليهم‏:‏ يعرض عنهم، ومعنى نظره لعباده رحمته لهم، ولطفه بهم‏.‏ ومعنى لا يزكيهم‏:‏ لا يطهرهم من الذنوب، وقيل لا يثني عليهم انتهى‏.‏ ‏(‏رجل بايع إماماً‏)‏ زاد في رواية البخاري‏.‏ لا يبايعه إلا لدنيا ‏(‏فإن أعطاه وفى له‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ فإن أعطاه ما يريد وفى له، وإن لم يف له، وفي رواية‏:‏ فإن أعطاه ما يريد رضي وإلا سخط‏.‏

اعلم أن الترمذي رحمه الله ذكر واحداً من الثلاثة وترك الاثنين اختصاراً، ولفظ الحديث بتمامه في صحيح البخاري هكذا‏:‏ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكهم ولهم عذاب أليم‏:‏ رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه ما يريد وفى له، وإلا لم يف له، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى كذا وكذا، فصدقه فأخذها ولم يعط بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

1080- باب ما جاءَ في بَيْعَةِ العَبْد

1599- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ بن سعد عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ أنه قال‏:‏ ‏"‏جاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولا يَشْعُرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ عَبْدٌ، فَجَاءَ سَيّدُهُ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم بعْنِيهِ، فاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أسْوَدَيْنِ وَلَمْ يُبَايِعْ أحَداً بَعْدُ حتى يَسْأَلهُ أعَبْدٌ هُوَ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ‏.‏

قال أبو عيسى حَديثُ جَابِرٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ لا نَعْرفُهُ إلاّ مِنْ حَديث أبي الزّبَيْرِ

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء سيده‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ فجاء سيده يريده قوله‏:‏ ‏(‏فاشتراه بعبدين أسودين‏)‏ قال النووي‏:‏ هذا محمول على أن سيده كان مسلماً ولهذا باعه بالعبدين الأسودين، والظاهر أنهما كانا مسلمين ولا يجوز بيع العبد المسلم بكافر، ويحتمل أنه كان كافراً، وأنهما كانا كافرين، ولا بد من ثبوت ملكه للعبد الذي بايع على الهجرة إما ببينة وإما بتصديق العبد قبل إقراره بالحرية‏.‏ وفيه جواز بيع عبد بعبدين سواء كانت القيمة متفقة أو مختلفة، وهذا مجمع عليه إذا بيع نقداً، وكذا حكم سائر الحيوان فإن باع عبداً بعبدين أو بعيراً ببعيرين إلى أجل، فمذهب الشافعي والجمهور جوازه، وقال أبو حنيفة والكوفيون لا يجوز، وفيه مذهب لغيرهم انتهى ‏(‏ولم يبايع أحداً بعد‏)‏ بالبناء على الضم أي بعد ذلك ‏(‏حتى يسأله أعبد هو‏)‏ بهمزة الاستفهام، وفيه أن أحداً إذا جاء الإمام ليبايعه على الهجرة ولا يعلم أنه عبد أو حر فلا يبايعه حتى يسأله، فإن كان حراً يبايعه وإلا فلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ لم أقف عليه ‏(‏حديث جابر حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم ‏(‏ولا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير‏)‏ أي تفرد به أبو الزبير عن جابر وهذا هو وجه كونه غريباً‏.‏

1081- باب ما جاءَ في بَيْعَةِ النّسَاء

1600- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا سُفْيَانُ بن عينية عن ابنِ المُنْكَدِرِ سَمِعَ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ تقول‏:‏ ‏"‏بَايَعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في نِسْوَةٍ، فقالَ لنا في ما اسْتَطَعْتُنّ وَأَطْقْتُنّ، قلتُ الله ورسولُهُ أرحَمُ بِنَا مِنّا بِأَنْفُسِنَا، قُلْتُ يَا رسولَ الله بايعْنَا، قالَ سُفْيَانُ‏:‏ تَعْنِي صَافِحْنَا، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إنّمَا قَوْلِي لِمائَةِ امْرَأَةٍ كَقَولِي لاِمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن عائشةَ وعبدِ الله بنِ عمر وأسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَديثِ محمدِ بنِ المُنْكَدِرِ‏.‏

وَرَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِيّ وَمَالِكُ بنُ أنَسٍ وَغَيْرُ واحدٍ هذا الحديثَ عن محمدِ بن المُنْكَدِرِ نَحْوَهُ‏.‏ قال وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال لا أعرف لأميمة بنت رقيقة غير هذا الحديث، وأميمة امرأة أخرى لها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمع أميمة‏)‏ بضم الهمزة وفتح الميمين بينهما تحتانية ساكنة ‏(‏بنت رقيقة‏)‏ بضم الراء وفتح القافين بينهما تحتانية ساكنة، قال في التقريب اسم أبيها عبد الله بن بجاد التيمي لها حديثان وهي غير أميمة بنت رقيقة الثقفية تابعية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأطقتن‏)‏ من الإطاقة ‏(‏قال سفيان‏:‏ تعني صافحنا‏)‏ أي قال سفيان في تفسير قوله أميمة ‏"‏بايعنا‏"‏ تريد به صافحنا، يعني أطلقت لفظ ‏"‏بايعنا‏"‏ وأرادت به صافحنا ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قولي الخ‏)‏ كذا روى الترمذي هذا الحديث مختصراً‏.‏ ورواه النسائي والطبري أنها دخلت في نسوة تبايع فقلن‏:‏ يا رسول الله ابسط يدك نصافحك، فقال إني لا أصافح النساء ولكن سآخذ عليكن، فأخذ علينا حتى بلغ ‏"‏ولا يعصينك في معروف‏"‏ فقال فيما أطقتن واستطعتن إلخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن عمرو وأسماء بنت يزيد‏)‏ أما حديث عائشة فأخرجه البخاري وغيره وفيه‏:‏ والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك‏.‏ قال الحافظ قوله‏:‏ قد بايعتك، كلاماً، أي يقول ذلك كلاماً فقط لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة، وكأن عائشة أشارت بقولها والله ما مست الخ إلى الرد على ما جاء عن أم عطية، فعند ابن خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة قال‏:‏ فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال لهم اشهد، وكذا الحديث الذي بعده حيث قالت فيه‏:‏ قبضت منا امرأة يدها فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن، ويمسكن الجواب عن الأول بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة، وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر عن القبول، أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه في يده وقال لا أصافح النساء‏.‏ وعند عبد الرزاق من طريق إبراهيم النخعي مرسلاً نحوه، وعند سعيد بن منصور من طريق قيس بن أبي حازم كذلك‏.‏ وأخرج ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه عن أبان بن صالح أنه صلى الله عليه وسلم كان يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها فيه ويحتمل التعدد‏.‏ وقد أخرج الطبراني أنه بايعهن بواسطة عمر، وقد جاء في أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب‏.‏ أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبي وفي المغازي لابن إسحاق عن أبان بن صالح أنه كان يغمس يده في إناء فيغمسن أيديهن فيه‏.‏ انتهى ما في فتح الباري‏.‏

اعلم أن السنة أن تكون بيعة الرجال بالمصافحة والسنة في المصافحة أن تكون باليد اليمنى، فقد روى مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص قال‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أبسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه الحديث، قال القاري في شرح هذا الحديث أي افتح يمينك ومدها لأضع يميني عليها كما هو العادة في البيعة انتهى‏.‏ وفي هذا الباب روايات أخرى صحيحة صريحة، وكذلك السنة أن تكون المصافحة باليد اليمنى عند اللقاء أيضاً‏.‏ وأما المصافحة باليدين عند اللقاء أو عند البيعة فلم تثبت بحديث مرفوع صحيح صريح‏.‏ وقد حققنا هذه المسألة في رسالتنا المسماة بالمقالة الحسنى في سنينة المصافحة باليد اليمنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي وغيره‏.‏

1082- باب ما جاءَ في عِدّةِ ‏(‏أصْحَابِ‏)‏ أهلِ بَدْر

أي الذين شهدوا الوقعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن ألحق بهم‏.‏

1601- حدثنا واصِلُ بنُ عبْدِ الأعْلَى حدثنا أبو بَكْرٍ بنِ عَيّاشٍ عن أبي إسحاقَ عن البَرَاءِ قال‏:‏ ‏"‏كُنّا نَتحدّثُ أن أصْحَابَ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ كعِدّةِ أصْحَابِ طَالُوتَ ثَلاَثُمَائَةٍ وثَلاَثَة عَشَر‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رَوَاهُ الثّوْرِيّ وَغَيْرُهُ عن أبي إسحاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كعدة أصحاب طالوت‏)‏ هو ابن قيس من ذرية بنيامين بن يعقوب شقيق يوسف عليه السلام، يقال إنه كان سقاء، ويقال إنه كان دباغاً، والمراد بأصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر ولم يجاوز معه إلا مؤمن كما في رواية البخاري، وقد ذكر الله قصة طالوت في القرآن في سورة البقرة‏.‏ وذكر أهل العلم في الأخبار أن المراد بالنهر نهر الأردن، وأن جالوت كان رأس الجبارين، وأن طالوت وعد من قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويقاسمه الملك، فقتله داود فوفى له طالوت وعظم قدر داود في بني إسرائيل حتى استقل بالمملكة بعد أن كانت نية طالوت تغيرت لداود وهم بقتله فلم يقدر عليه فتاب وانخلع من الملك‏.‏ وخرج مجاهداً هو ومن معه من ولده حتى ماتوا كلهم شهداء‏.‏ وقد ذكر محمد بن إسحاق قصته مطولة في المبتدأ كذا في فتح الباري ‏(‏ثلاث مائة وثلاثة عشر‏)‏ كذا وقع ثلاثة عشر في حديث البراء هذا عند الترمذي، وكذا وقع في حديث ابن عباس، قال الحافظ ولأحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس كان أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر، وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من رواية عبيدة بن عمرو السلماني أحد كبار التابعين، ومنهم من وصله بذكر على وهذا هو المشهور عند ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي انتهى‏.‏ وقد وقع في بعض الروايات أربعة عشر مكان ثلاثة عشر، وفي بعضها خمسة عشر، وفي بعضها سبعة عشر، وفي بعضها تسعة عشر، وقد جمع الحافظ في الفتح بين هذه الروايات المختلفة جمعاً حسناً من شاء الوقوف عليه فليراجعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ تقدم تخريجه آنفاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1083- باب ما جاءَ في الْخُمُس

بضم الخاء المعجمة، والجمهور على أن ابتداء فرض الخمس كان بقوله تعالى‏.‏ ‏"‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول‏"‏ الاَية، وكان الغنائم تقسم على خمسة أقسام فيعزل خمس منها يصرف فيمن ذكر في الاَية، وكان خمس هذا الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف فيمن يستحقه بعده، فمذهب الشافعي أنه يصرف في المصالح، وعنه يرد على الأصناف الثمانية المذكورين في الاَية، وهو قول الحنفية مع اختلافهم فيهم، وقيل يختص به الخليفة ويقسم أربعة أخماس الغنيمة على الغانمين إلا السلب فإنه للقاتل على الراجح كذا في الفتح

1602- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا عَبّادُ بنُ عبّادٍ المُهَلّبِيّ عن أبي جَمْرَةَ عن ابنِ عباسٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لَوفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ‏:‏ ‏"‏آمُرُكُم أن تُؤَدّوا خُمُسَ ما غَنِمْتُمْ‏"‏ قال وفي الحَدِيثِ قِصّةٌ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن أبي جَمْرَةَ عن ابنِ عباس نَحْوَهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي جمرة‏)‏ بفتح الجيم وسكون الميم وبالراء اسمه نصر بن عمران الضبعي الضاد المعجمة وفتح الموحدة مشهور بكنيته ثقة ثبت من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الحديث قصة وهذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم بقصته‏.‏

1084- باب ما جاءَ في كَرَاهِيةِ النّهْبَة

قال في المجمع‏:‏ النهبة بالفتح مصدر وبالضم المال المنهوب‏.‏

1603- حدثنا هَنّادٌ حدثنا أبو الأحْوصِ عن سعيدِ بنِ مَسْرُوقٍ عن عَبَايَةَ بنِ رِفَاعَةَ عن أبِيهِ عن جَدّهِ رَافِعٍ بن خديج قال‏:‏ ‏"‏كُنّا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَتَقَدّمَ سَرَعَانُ الناسَ فَتَعَجّلُوا مِنَ الْغَنَائِمِ فاطّبَخُوا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في أُخْرَى النَاسِ، فَمَرّ بالقُدُورِ فأَمَرَ بها فأُكْفِئْت ثم قَسَمَ بينهم فَعَدَلَ بَعِيراً بِعَشْرٍ شِيَاهٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وَرَوَى سُفُيَانُ الثّوْرِيُ عن أبيهِ عن عَبَايَةَ عن جَدّهِ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فيهِ عن أبيهِ‏.‏

حدثنا بذلكَ محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَكيعٌ عن سُفْيَانَ وهذا أصح‏.‏

قال‏:‏ وفي الباب عن ثعلبة بن الحكم وأنس وأبي ريمانة وأبي الدرداء وعبدالرحمن بن سمرة وزيد بن خالد وحابر وأبي هريرة وأيوب قال أبو عيسى‏:‏ وهذا أصح وَعَبَايَةُ بنُ رِفَاعَةَ سَمِعَ مِنْ جَدّهِ رَافِع بنِ خَدِيج‏.‏

1604- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا عبدُ الرّزّاقِ عن مَعْمَرٍ عن ثابتٍ عن أنَسٍ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَن انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنّا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ حديثِ أنَسٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عباية‏)‏ بفتح أوله والموحدة الخفيفة وبعد الألف تحتانية خفيفة ‏(‏ابن رفاعة‏)‏ بكسر الراء بن خديج الأنصاري الزرقي المدني ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتقدم سرعان الناس‏)‏ قال في المجمع‏:‏ سرعان الناس هو بفتحتين أوائلهم الذين يتسارعون إلى المشي ويقبلون عليه بسرعة، يجوز سكون الراء ‏(‏فاطبخوا‏)‏ هو افتعلوا من الطبخ، وهو عام لمن يطبخ لنفسه وغيره، والإطباخ خاص لنفسه ‏(‏في أخرى الناس‏)‏ أي في الطائفة المتأخرة عنهم ‏(‏فاكفئت بصيغة‏)‏ المجهول من الإكفاء أي قلبت وأريق ما فيها لأنهم ذبحوا الغنم قبل القسمة‏.‏ وقد اختلف في هذا المكان في شيئين‏:‏ أحدهما سبب الإراقة والثاني هل أتلف اللحم أم لا‏.‏ فأما الأول فقال عياض‏:‏ كانوا انتهوا إلى دار الإسلام والمحل الذي لا يجوز فيه الأكل من مال الغنيمة المشتركة إلا بعد القسمة وأن محل جواز ذلك قبل القسمة إنما هو ما داموا في دار الحرب، قال ويحتمل أن سبب ذلك كونهم انتهبوها ولم يأخذوها باعتدال وعلى قدر الحاجة، قال وقد وقع في حديث آخر ما يدل لذلك، يشير إلى ما أخرجه أبو داود من طريق عاصم بن كليب عن أبيه وله صحبة عن رجل من الأنصار قال‏:‏ أصاب الناس مجاعة شديدة وجهد فأصابوا غنماً فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي بها، إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال‏:‏ إن النهبة ليست بأحل من الميتة انتهى‏.‏ وهذا يدل على أنه عاملهم من أجل استعجالهم بنقيض قصدهم كما عومل القاتل بمنع الميراث‏.‏

وأما الثاني فقال الثوري‏:‏ المأمور به من إراقة القدور إنما هو إتلاف المرق عقوبة لهم، وأما اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم ولا يظن أنه أمر بإتلافه مع أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال وهذا من مال الغانمين‏:‏ وأيضاً فالجناية بطبخة لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة، فإن منهم من لم يطبخ ومنهم المستحقون للخمس‏.‏ فإن قيل لم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم، قلنا ولم ينقل أنهم أحرقوه أو أتلفوه، فيجب تأويله على وفق القواعد انتهى‏.‏

ويرد عليه حديث أبي داود فإنه جيد الإسناد، وترك تسمية الصحابي لا يضر، ورجال الإسناد على شرط مسلم‏.‏ ولا يقال لا يلزم من تتريب اللحم إتلافه لإمكان تداركه بالغسل ‏"‏لأن السياق يشعر أريد المبالغة في الزجر عن ذلك الفعل، فلو كان بصدد أن ينتفع به بعد ذلك لم يكن فيه كبير زجر، لأن الذي يخص الواحد منهم نزر يسير فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم بها وحاجتهم إليها وشهوتهم لها أبلغ في الزجر، كذا في فتح الباري‏.‏

‏(‏فعدل بعيراً بعشر شياه‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا محمول على أن هذا كان قيمة الغنم إذ ذاك، فلعل الإبل كانت قليلة أو نفيسة‏.‏ والغنم كانت كثيرة أو هزيلة، بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه، ولا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي‏.‏ من أن البعير يجزيء عن سبع شياه لأن ذلك هو الغالب في قيمة الشاة والبعير، المعتدلين‏.‏ وأما هذه القسمة فكانت واقعة عين فيحتمل أن يكون التعديل لما ذكر من نفاسة الإبل دون الغنم، وحديث جابر عند مسلم صريح في الحكم حيث قال فيه‏:‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة، والبدنة تطلق على الناقة والبقرة‏.‏ وأما حديث ابن عباس‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في البقرة وفي البدنة عشرة، فحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وعضده بحديث رافع بن خديج‏.‏

هذا والذي يتحرر في هذا أن الأصل أن البعير بسبعة ما لم يعرض عارض من نفاسة ونحوها فيتغير الحكم بحسب ذلك، وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك ‏(‏وهذا أصح‏)‏ أخرجه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ثعلبة بن الحكم الخ‏)‏‏.‏ لينظر من أخرج أحاديث هؤلاء الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من انتهب‏)‏ أي أخذ ما لا يجوز له أخذه قهراً جهراً ‏(‏فليس منا‏)‏ أي ليس من المطيعين لأمرنا، لأن أخذ مال المعصوم بغير إذنه ولا علم رضاه حرام، بل يكفر مستحله، قاله المناوي وقال القاري‏:‏ ليس من جماعتنا وعلى طريقتنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أنس‏)‏‏.‏ وأخرجه أحمد والضياء‏.‏

1085- باب ما جاءَ في التّسْلِيمِ على أهْلِ الكِتَاب

1605- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ عن سُهَيْلِ بنِ أبي صالحٍ عن أبيهِ عن أبي هُرَيْرَةَ‏:‏ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تبدَأُوا اليهودَ والنّصَارَى بالسّلاَمِ، وإذا لَقِيتُمْ أحَدَهُمْ في الطّريقِ فاضْطَرّوهُ إلى أضْيَقِهِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ وأنَسٍ وأبي بَصْرَةَ الغِفَارِيّ صاحبِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1606- حدثنا عليّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا إسماعيلُ بنُ جَعْفَرٍ عن عبدِ الله بنِ دِينَارٍ عن ابنِ عُمَرَ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ اليَهُود إذا سَلّمَ عليكُم أحَدُهُمْ فإنّمَا يقولُ السّامُ عَلَيْكَم، فَقلْ عَلَيْكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تبدأوا اليهود والنصارى‏)‏ أي ولو كانوا ذمبين فضلاً عن غيرهما من الكفار ‏(‏بالسلام لأن الابتداء به إعزاز للمسلم عليه، ولا يجوز إعزازهم، وكذا لا يجوز تواددهم وتحاببهم بالسلام ونحوه‏)‏، قال تعالى‏:‏ ‏"‏لا تحد قوماً يؤمنون بالله واليوم الاَخر يوادون من حاد الله ورسوله‏"‏ الاَية ولأنا مأمورون بإذلالهم كما أشار إليه سبحانه بقوله ‏(‏وهم صاغرون‏)‏‏.‏ كذا في المرقاة ‏(‏فاضطروه‏)‏ أي ألجئوه ‏(‏إلى أضيقه‏)‏ أي أضيق الطريق بحيث لو كان في الطريق جدار يلتصق بالجدار وإلا فيأمره ليعدل عن وسط الطريق إلى أحد طرفيه‏.‏ وفي شرح مسلم للنووي قال بعض أصحابنا‏:‏ يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم، وهذا ضعيف لأن النهي للتحريم، فالصواب تحريم ابتدائهم‏.‏ وحكى القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم للضرورة والحاجة‏.‏ وهو قول علقمة والنخعي‏.‏ وقال الأوزاعي‏:‏ إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون‏.‏ وأما المبتدع فالمختار أنه لا يبدأ بالسلام إلا لعذر وخوف من مفسده، ولو سلم على من لم يعرفه فبان ذمياً استحب أن يسترد سلامه بأن يقول استرجعت سلامي تحقيراً له‏.‏ وقال لأصحابنا لا يترك للذمي صدر الطريق بل يضطر إلى أضيقه، ولكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ونحوها وإن خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وأنس وأبي بصرة الغفاري‏)‏‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في هذا الباب، وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان مرفوعاً بلفظ‏:‏ إذا سلم أهل الكتاب فقولوا وعليكم‏.‏ وأما حديث أبي بصرة فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنما يقول السام عليك‏)‏ أي الموت العاجل عليك ‏(‏فقل عليك‏)‏‏.‏ وفي المشكاة وعليك بالواو‏.‏ قال القاري في المشكاة‏:‏ والمفهوم من كلام القاضي‏:‏ أن الأصل في هذا الحديث عليك بغير واو وأنه روى بالواو أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1086- باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ المقَامِ بَيْنَ أَظْهُرِ المشْرِكين

1607- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ عن قيسِ بنِ أبي حازِمٍ عن جَرِيرِ بنِ عبدِ الله‏:‏ ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيّةً إلى خَثْعَمٍ، فاعْتَصَمَ ناسٌ بالسّجُودِ فأسْرَعَ فيهم القَتْل فَبَلَغَ ذلكَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأمَرَ لهم بِنِصْفِ الْعَقْل وقال‏:‏ أنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أظْهُرِ المُشرِكِينَ، قالوا يَا رسولَ الله‏:‏ وَلِمَ‏؟‏ قال لا تَرَاءَى نَارَاهُمَا‏"‏‏.‏

1608- حدثنا هنادٌ، حدثنا عَبْدَةُ عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ عن قَيْسٍ بنِ أبي حازِمٍ مِثْلَ حديثِ أبي مُعَاوِيَةَ ولم يَذْكُرْ فيه عن جَريرٍ‏.‏ وهذ أصَحّ‏.‏

وفي البابِ عن سَمُرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى وأكْثَرُ أصحابِ إسماعيلَ عن إسماعيلَ عن قَيْسِ بنِ أبي حازمٍ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيّةً ولم يَذْكُرُوا فيه عن جَرِيرٍ‏.‏

ورواه حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن الْحَجّاجِ بن أرْطَأَةَ عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ عن قَيْسٍ عن جَريرٍ مثلَ حديثِ أبي مُعَاوِيَة‏.‏ قال وَسَمِعْتُ محمداً يقولُ‏:‏ الصّحيحُ حديثُ قَيْسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ‏.‏

ورَوَى سَمُرَةَ بنُ جُنْدُبٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تُسَاكنُوا المُشْرِكِينَ ولا تُجَامِعُوهُمْ، فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِثْلُهُمْ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاعتصم ناس بالسجود‏)‏ أي ناس من المسلمين الساكنين في الكفار، سجدوا باعتماد أن جيش الإسلام يتركوننا عن القتل حيث يروننا ساجدين‏.‏ لأن الصلاة علامة الإيمان ‏(‏فأمر لهم بنصف العقل‏)‏ أي بنصف الدية‏.‏ قال في فتح الودود‏:‏ لأنهم أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين الكفرة فكانوا كمن هلك بفعل نفسه وفعل غيره قسقط حصة جنايته ‏(‏بين أظهر المشركين‏)‏ أي بينهم، ولفظ أظهر مقحم ‏(‏لا تراءى ناراهما‏)‏ من الترائي تفاعل من الرؤية، يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضاً، تراءى الشيء أي ظهر حتى رأيته‏.‏ والأصل في تراءى تتراءى، فحذت إحدى التاءين تخفيفاً‏.‏ وإسناد التراءي إلى النار مجاز من قولهم داري تنظر من دار فلان أي تقابلها‏.‏ قال في النهاية أي يلزم المسلم يجب أن يتباعد منزله عن منزل المشرك، ولا ينزل بالموضع الذي إن أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر للشرك إذا أوقدها في منزله، ولكنه ينزل مع المسلمين، هو حث على الهجرة‏.‏ قال الخطابي في معناه‏:‏ ثلاثة وجوه‏:‏ قيل معناه لا يستوي حكمهما‏.‏ وقيل معناه أن الله فرق بين داري الإسلام والكفر، فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم حتى إذا أوقدوا ناراً كان منهم بحيث يراها‏.‏ وقيل معناه لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سمرة‏)‏ أخرجه أبو داود عنه مرفوعاً‏:‏ من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله، وذكره الترمذي بنحوه، ولم يذكر سنده‏.‏ وحديث جرير المذكور في الباب أخرجه أيضاً أبو داود وابن ماجه ورجال إسناده ثقات، ولكن صحح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم، ورواه الطبراني أيضاً موصولاً كذا في النيل‏.‏

1087- باب ما جاءَ في إخراجِ اليَهودِ والنّصَارَى مِن جَزيرةِ العَرَب

الجزيرة اسم موضع من الأرض‏.‏ وهو ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن في الطول، وما بين رمل يزن إلى منقطع السموة في العرض، قاله أبو عبيدة‏:‏ وقال الأصمعي‏:‏ من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولاً‏.‏ ومن جدة وساحل البحر إلى أطراف الشام عرضاً، قال الأزهري سميت جزيرة لأن بحر فارس وبحر السودان أحاطها بجانبيها وأحاط بالجانب الشمالي دجلة والفرات‏.‏ وعن مالك أن جزيرة العرب مكة والمدينة واليمامة واليمن‏.‏ وفي القاموس‏:‏ جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات‏.‏

1609- حدثنا موسى بنُ عبدِ الرحمَنِ الكِنْدِيّ حدثنا زَيْدُ بنُ الحباب أخبرنا سُفْيَانُ الثّوْرِيّ عن أبي الزّبَيْرِ عن جابرٍ عن عُمرَ بن الخطابِ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لَئِنْ عِشْتُ إنْ شَاءَ الله لأخرجنّ اليَهُودَ والنّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ العرب‏"‏‏.‏

1610- حدثنا الحسَنُ بنُ علي الْخَلاّلُ حدثنا أبو عَاصِمٍ وعبدُ الرّزّاقِ قالا أخبرنا ابنُ جُرَيْجٍ قال أخبرني أبو الزّبْيرِ أنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عبد الله يقولُ‏:‏ أخْبَرَنِي عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ أنّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏لأُخْرِجَنّ اليَهُودَ والنّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ العربِ فَلاَ أتْرُكُ فيها إلاّ مُسْلِماً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا أترك فيها إلا مسلماً‏)‏ قال النووي‏:‏ أوجب مالك والشافعي وغيرهما من العلماء إخراج الكافر من جزيرة العرب وقالوا لا يجوز تمكينهم سكناها، ولكن الشافعي خص هذا الحكم بالحجاز وهو عنده مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره‏.‏ وقال لا يمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز ولا يمكنون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام‏.‏ قال الشافعي إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخولها بحال، فإن دخلها بخفية وجب إخراجه، فإن مات ودفن فيها نبش وأخرج منها ما لم يتغير‏.‏ وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم‏.‏ وحجة الجماهير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا‏}‏ وفي المعالم أراد منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام، قال وجوز أهل الكوفة المعاهد دخول الحرم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لئن عشت‏)‏ أي بقيت قوله‏:‏ ‏(‏إن شاء الله‏)‏ قيد لقوله لأخرجن اليهود والنصارى‏.‏

1088- باب ما جاءَ في تَرِكَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم

بفتح الفوقانية وكسر الراء ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

1611- حدثنا محمدُ بنُ المُثَنّى حدثنا أبو الوَلِيدِ حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن محمدِ بنِ عَمْرٍو عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرةَ قال‏:‏ ‏"‏جَاءَتْ فَاطِمَةُ إلى أبِي بَكْرٍ فقالَتْ‏:‏ مَنْ يَرِثُكَ‏؟‏ قال‏:‏ أهْلِي وَوَلَدِي، قالَتْ فَمَا لِي لا أرِثُ أبِي‏.‏ فقال أبو بكرٍ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لا نُورَثُ‏.‏ ولكن أعُولُ مَنْ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُولُه وأُنْفِقُ على مَنْ كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عن عُمَر وَطَلْحَةَ والزّبَيْرِ وعبدِ الرحمَنِ بنِ عَوْفٍ وسَعْدٍ وعائِشَةَ‏.‏

وحديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الوجهِ إنّمَا أسْنَدَهُ حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ وعبدُ الوَهّابِ بن عَطَاء عن محمدِ بنِ عَمْرٍو عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرةَ وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال لا أعلم أحداً رواه عن محمد بن عمرو عن ابي سلمة عن أبي هريرة الاحماد بن سلمة وروى عبدالوهاب بن عطاء عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة وعن أبي هريرة نحوه رواية حماد بن سلمة وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

1612- حدثنا يذلك علي بن عيسى قال حدثنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا محمد بن عمرو عن ابي سلمة عن أبي هريرة أن فاطمة جاءت ابا بكر وعمر رضي الله عنه تسأل ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنّي لا أورث قالت‏:‏ والله لا أكلمكما أبداً فماتت ولا تكلمهما، قال علي بن عيسى معنى لا اكلمكما تعنى في هذا الميراث أبداً أنتما صادقان‏.‏

1613- حدثنا الحسَنُ بنُ عليّ الْخَلاّلُ أخبرنا بِشْرُ بنُ عُمَرَ حدثنا مَالِكُ بنُ أنسٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن مالكِ بنِ أوْسٍ بنِ الحدَثَانِ قال‏:‏ دَخَلْتُ على عُمَرَ بنِ الخطّابِ ودَخَلَ عليهِ عُثْمانُ بنُ عَفّانَ والزّبَيْرُ بنُ العَوّامِ وعبدُ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ وسَعْدُ بنُ أبي وقّاصٍ، ثم جاء عليّ والعَبّاسُ يَخْتَصِمَانِ، فقال عُمَر لَهُمْ‏:‏ أنْشُدُكُمْ بالله الذي بإذْنِهِ تَقُومُ السّمَاءُ والأَرْضُ تَعْلَمُونَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ‏؟‏ قالوا‏:‏ نَعَمْ، قال عُمَرُ‏:‏ فَلمَا تُوُفّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بَكْرٍ‏:‏ أنا وَلِيّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَجِئْت أنْتَ وهذا إلى أبِي بَكْرٍ تَطْلُبُ أنْتَ مِيرَاثَكَ مِن ابنِ أخِيكَ ويَطْلُبُ هذا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أبيهَا‏.‏ فقال أبو بَكْرٍ إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا نُورِثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ والله يَعْلَمُ إنّهُ صَادِقٌ بَارّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقّ‏.‏

قال أبو عيسى وفي الحديثِ قِصّة طَوِيلَةٌ‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ حديث مالكِ بنِ أنَسٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نورث‏)‏ بفتح الراء ويصح الكسر، وحكمته أنهم كالاَباء للأمة فمالهم لكلهم، أو لئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لوارثتهم‏.‏ ونزاع علي وعباس قبل علمهما بالحديث وبعده رجعاً، وأعتقد أنه الحق بدليل أن علياً لم يغير الأمر حين يكونا متصرفين بالشركة، وكره عمر القسمة حذراً من دعوى الملك كذا في المجمع ‏(‏لكن أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله‏)‏ عال الرجل عياله يعولهم‏:‏ إذا قام بما يحتاجون إليه من ثوب وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وعائشة‏)‏ أما حديث عمر وغيره فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فقالت عائشة‏:‏ أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا نورث ما تركناه صدقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث غريب من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه أحمد، قال صاحب المنتقى بعد ذكر حديث أبي هريرة هذا‏:‏ رواه أحمد والترمذي وصححه انتهى قلت‏:‏ ليس في نسخ الترمذي الحاضرة عندنا تصحيح الترمذي إنما فيها تحيسنه فقط‏.‏ وروى الشيخان حديث أبي هريرة بلفظ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تقتسم ورثتي ديناراً، ما بركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة، وفي لفظ لأحمد، لا يقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنشدكم بالله‏)‏ أي أسألكم رافعاً نشدتي صوتي ‏(‏لا نورث‏)‏ بالنون، وهو توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث كما قال الحافظ في الفتح ‏"‏وما تركنا‏"‏ في موضع الرفع بالابتداء و ‏"‏سدقة‏"‏ خبره وقد زعم بعض الرافضة أن ‏"‏لا نورث‏"‏ بالياء التحتانية ‏"‏وصدقة‏"‏ بالنصب على الحال ‏"‏وما تركناه‏"‏ في محل رفع على النيابة، والتقدير‏:‏ لا يورث الذي تركناه حال كونه صدقة، وهذا خلاف ما جاءت به الرواية ونقله الحفاظ، وما ذلك بأول تحريف من أهل تلك النحلة، ويوضح بطلانه ما في حديث أبي هريرة المذكور بلفظ ‏"‏فهو صدقة‏"‏ وقوله ‏"‏لا تقتسم ورثتي ديناراً‏"‏ وقوله ‏"‏إن النبي لا يورث‏"‏ ‏(‏قالوا نعم‏)‏ قد استشكل هذا، ووجه الاستشكال أن أصل القصة صريح في أن العباس وعلياً قد علما بأنه صلى الله عليه وسلم فكيف يطلبانه من أبي بكر‏؟‏ وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر‏.‏

وأجيب بحمل ذلك على أنهما اعتقدا أن عموم ‏"‏لا نورث‏"‏ مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض‏.‏ ولذلك نسب عمر إلى‏:‏ علي وعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما كما وقع في صحيح البخاري وغيره، وأما مخاصمتهما بعد ذلك عند عمر فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من طريقه‏:‏ لم يكن في الميراث إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف، كذا قال، لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على أنهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث ولفظه في آخره‏:‏ ثم جئتمان الاَن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي، والله لا أقضي بينكما إلا بذلك، أي إلا بما تقدم من تسليمها لهما على سبيل الولاية‏.‏ وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه‏.‏ وفي السنن لأبي داود وغيره أرادا أن عمر يقسمها بينهما لينفرد كل منهما ما يتولاه فامتنع عمر من ذلك وأراد أن لا يقع عليها اسم القسمة ولذلك أقسم على ذلك، وعلى هذا اقتصر أكثر شراح الحديث واستحسنوه وفيه من النظر ما تقدم كذا في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الحديث قصة طويلة الخ‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم بقصته الطويلة‏.‏

1089- باب ما جاءَ ما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ إِنّ هذهِ لا تُغْزَى بعدَ اليَوْم

1614- حدثنا محمدُ بن بَشّارٍ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ حدثنا زَكَرِيّا بنُ أبي زَائِدَةَ عن الشّعْبِيّ عن الْحَارِثِ بنِ مالِك بنِ البَرْصَاءَ قال‏:‏ سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ يقولُ‏:‏ ‏"‏لا تُغْزَى هَذِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ وسُلَيْمانُ بن صُرَد ومُطيعٍ‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وهو حديثُ زَكَرِيّا بنِ أبي زَائِدَةَ عن الشّعْبِيّ فلا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الحارث بن مالك بن برصاء‏)‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ الحارث ابن مالك بن قيس الليثي المعروف بابن البرصاء صحابي له حديث واحد تأخر إلى أواخر خلافة معاوية ‏(‏لا تغزي‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏هذه‏)‏ أي مكة المكرمة ‏(‏بعد اليوم‏)‏ أي بعد يوم فتح مكة‏.‏ قال في مجمع البحار‏:‏ أي لا تعود كفر يغزي عليه أو لا يغزوها الكفار أبداً إذ المسلمون قد غزوها مرات، غزوها زمن يزيد بن معاوية بعد وقعة الحرة وزمن عبد الملك بن مروان مع الحجاج وبعده، على أن من غزاها من المسلمين لم يقصدوها ولا البيت‏.‏ وإنما قصدوا ابن الزبير مع تعظيم أمر مكة وإن جرى عليه ما جرى من رميه بالنار في المنجنيق والحرقة، ولو روى لا تغز، على النهي لم يحتج إلى التأويل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وسليمان بن صرد ومطيع‏)‏ لينظر من أخرج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ هذا الحديث من أفراد الترمذي وقد تفرد بروايته الحارث بن مالك كما عرفت به‏.‏

1090- باب ما جاءَ في السّاعَةِ التي يُسْتَحَبّ فيها القِتَال

1615- حدثنا محمدُ بن بَشارٍ حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ قال حدثني أبي عن قَتَادَةَ عن النّعْمَانِ بن مُقرّنٍ قال‏:‏ ‏"‏غَزَوْتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فكان إذا طَلَعَ الفَجْرُ أمْسَكَ حتى تَطْلُعَ الشّمْسُ فإذا طَلَعَتْ قَاتَلَ، فإذا انْتَصَفَ النّهَارُ أمْسَكَ حتى تَزُولَ الشّمْسُ فإذَا زَالَتْ الشمس قَاتَلَ حَتّى العَصْر ثم أمْسَكَ حتى يُصَلّيَ العَصْرَ ثم يُقَاتِلُ، قال وكانَ يُقَالُ عندَ ذلكَ تَهِيجُ رِيَاحُ النّصْرِ وَيَدْعُو الْمُؤْمِنُونَ لِجُيُوشِهم في صَلاتِهِم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن النّعْمانِ بن مُقَرّنٍ بإسنادٍ أوْصلَ مِنْ هذا وقَتَادَةَ لم يُدرِك النّعْمَانَ بنَ مُقرِنٍ‏.‏ مَات النّعْمَانُ في خِلاَفِةِ عُمَر‏.‏

1616- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عليّ الْخَلاّلُ حدثنا عَفّانُ بن مُسْلِمٍ و الْحَجّاجُ بنُ مِنْهَالٍ قالا حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ حدثنا أبو عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ عن عَلْقَمَةَ بن عبدِ الله الْمُزَنِيّ عن مَعْقِلِ بن يَسَارٍ أنّ عُمَرَ بنَ الخطّابِ بَعَثَ النّعْمَانَ بنَ مُقرّنٍ إلى الهُرْمُزانِ، فذكر الحديثَ بِطُولهِ، فقال النّعْمانُ بنُ مُقَرّنٍ‏:‏ ‏"‏شَهِدْتُ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فكانَ إذا لم يُقَاتِلْ أوّلَ النّهارِ انْتَظَرَ حتى تَزُولَ الشّمْسُ وتَهُبّ الرّيَاحُ ويَنْزِلُ النّصْرُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وعَلْقَمَةُ بنُ عبدِ الله هو أخو بَكْرِ بنِ عبدِ الله المُزَنِيّ ما من النعمان مقرن في خلافة عمر بن الخطاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن النعمان بن مقرن‏)‏ بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وبالنون‏.‏ قال صاحب المشكاة هو النعمان بن عمرو بن مقرن المزني روى أنه قال‏:‏ قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم في أربعمائة من مزينة‏:‏ سكن البصرة ثم تحول إلى الكوفة وكان عامل عمر على جيش نهاوند واستشهد يوم فتحها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان‏)‏ قال الطيبي ما أظهره من دليل على وجود الفاء التفصيلية لأن قوله غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم مشتمل مجملاً على ما ذكر بعده مفصلاً ‏(‏أمسك‏)‏ أي عن الشروع القتال ‏(‏فإذا زالت الشمس‏)‏ أي وصلى ‏(‏العصر‏)‏ أي إلى العصر ‏(‏وكان يقال‏)‏ أي يقول الصحابة‏:‏ الحكمة في إمساك النبي صلى الله عليه وسلم عن القتال إلى الزوال عند ذلك الخ ‏(‏عند ذلك‏)‏ أي عند زوال الشمس وهو من جملة المقول ظرف لقوله‏:‏ ‏(‏تهيج‏)‏ أي تجيء ‏(‏ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلواتهم‏)‏ أي في أوقات فراغها أو في أثنائها بالقنوت عند النوازل قاله القاري‏.‏ قال الطيبي إشارة إلى أن تركه صلى الله عليه وسلم القتال في الأوقات المذكورة كان لاشتغالهم بها فيها، اللهم إلا بعد العصر فإن هذا الوقت مستثنى منها لحصول النصر فيها لبعض الأنبياء‏.‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ غزا نبي من الأنبياء فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه‏.‏ رواه البخاري عن أبي هريرة، ولعل هذا السر خص في الحديث هذا الوقت بالفعل المضارع حيث قال‏:‏ ‏"‏ثم يقاتل‏"‏ وفي سائر الأوقات ‏"‏قاتل‏"‏ على لفظ الماضي استحضاراً لتلك الحالة في ذهن السامع تنبيهاً على أن قتاله في هذا الوقت كان أشد وتحريمه فيه أكمل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى هذا الحديث عن النعمان بن مقرن بإسناد أوصل من هذا‏)‏ يعني أن إسناد حديث النعمان المذكور منقطع، وقد روى هذا الحديث بإسناد موصول لي فيه انقطاع، وذكر الترمذي وجه الانقطاع بقوله‏:‏ وقتادة لم يدرك النعمان الخ، وذكر الإسناد الموصول بقوله‏:‏ حدثنا الحسن بن علي الخلال الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري بطوله‏.‏

1091- باب ما جاء في الطّيَرَة

1617- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِي حدثنا سُفْيَانُ عن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عن عيسى بنِ عَاصِمٍ عن زَر عن عبدِ الله بن مسعود قال‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الطّيَرَةُ مِنَ الشّرْكِ، وَمَا مِنّا إلاّ ولكنّ الله يُذْهِبُهُ بالتّوَكّلِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي هريرة وحابس التميمي وابن عمر وسعد وهذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن كهيل وروى شعبة أيضاً عن سلمة هذا الحديث قال‏:‏ سمعتُ محمدَ بنَ إسماعيل يقولُ‏:‏ كان سُليمانُ بنُ حربٍ يقولُ في هذا الحديثِ‏:‏ ‏"‏وما مِنّا إلاّ ولكنّ الله يُذْهِبُهُ بالتّوكّلِ‏"‏‏.‏

قَالَ سُلَيمَان‏:‏ هذا عِنْدي قَول عبدِ الله بن مسعود وما منّا‏.‏

1618- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا ابنُ أبي عَدِيّ عن هِشَامٍ الدّستوائي عن قَتَادَةَ عن أنَسٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ وأُحِبّ الفَأْلَ، قالوا يَا رسولَ الله‏:‏ وما الفَأْلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الكَلِمَةُ الطّيّبَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1619- حدثنا محمدُ بنُ رَافِعٍ حدثنا أبو عَامِرٍ العَقَدِيّ عن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عن حُمَيْدٍ عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُعْجِبُهُ إذا خَرَجَ لِحَاجَة أنْ يَسْمَعَ يَا راَشِدُ يَا نَجِيحُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الطيرة من الشرك‏)‏ أي لاعتقادهم أن الطيرة تجلب لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضراً فإذا عملوا بموجبها فكأنهم أشركوا بالله في ذلك ويسمى شركاً خفياً‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ يعني من أعتقد أن شيئاً سوى الله تعالى ينفع أو يضر بالاستقلال فقد أشرك أي شركاً جلياً‏.‏ وقال القاضي‏:‏ إنما سماها شركاً لأنهم كانوا يرون ما يتشاءمون به سبباً مؤثراً في حصول المكروه، وملاحظة الأسباب في الجملة شرك خفي فكيف إذا انضم إليها جهالة وسوء اعتقاد ‏(‏وما منا‏)‏ أي لأحد ‏(‏إلا‏)‏‏؟‏ أي إلا من يخطر له من جهة الطيرة شيء ما لتعود النفوس بها فحذف المستثنى كراهة أن يتفوه به‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ أي إلا من يعرض له الوهم من قبل الطيرة وكره أن يتم كلامه ذلك لما يتضمنه من الحالة المكروهة وهذا نوع من الكلام يكتفي دون المكروه منه بالإشارة فلا يضرب لنفسه مثل السوء ‏(‏ولكن الله‏)‏ بتشديد النون ونصب الجلالة ‏(‏يذهبه‏)‏ بضم الياء من الإذهاب إي يزيل ذلك الوهم المكروه ‏(‏بالتوكل‏)‏ أي يسبب الاعتماد عليه والاستناد إليه سبحانه، وحاصله أن الخطرة ليس بها عبرة فإن وقعت غفلة لا بد من رجعة وأوبة من حوبة كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً‏:‏ من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك وكفارة ذلك أن يقول اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك‏.‏ رواه أحمد والطبراني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في هذا الحديث‏)‏ أي في تحقيق شأنه وما يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل قال‏)‏ أي سليمان بن حرب ‏(‏هذا‏)‏ أي قوله وما منا الخ ‏(‏عندي قول ابن مسعود‏)‏ أي في ظني أنه موقوف على ابن مسعود، وإنما المرفوع قوله ‏"‏الطيرة من الشرك فقط‏"‏ ويؤيده أن هذا القرار رواه جمع كثير عن ابن مسعود مرفوعاً بدون الزيادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سعد وأبي هريرة وحابس التميمي وعائشة وابن عمر‏)‏ أما حديث سعد وهو ابن مالك فأخرجه أبو داود، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان، وأما أحاديث حابس وغيره رضي الله تعالى عنهم فلينظر من أخرجها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح الخ‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه‏.‏ قال الحافظ المنذري‏:‏ قال أبو القاسم الأصبهاني وغيره‏:‏ في الحديث إضمار، والتقدير‏:‏ وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك يعني قلوب أمته، ولكن الله يذهب ذلك عن قلب كل من يتوكل على الله ولا يثبت على ذلك، هذا لفظ الأصبهاني، والصواب ما ذكره البخاري وغيره أن قوله ‏"‏وما منا الخ‏"‏ من كلام ابن مسعود مدرج غير مرفوع‏.‏ قال الخطابي‏:‏ وقال محمد بن إسماعيل‏:‏ كان سليمان بن حرب ينكر هذا الحرف ويقول ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه قول ابن مسعود‏.‏ وحكى الترمذي عن البخاري أيضاً عن سليمان بن حرب نحو هذا انتهى ما في الترغيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا عدوى‏)‏ بفتح فسكون ففتح، قال في القاموس‏:‏ إنه الفساد، وقال التوربشتي العدوي هنا مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره، يقال أعدى فلان فلاناً من خلفه أو من غرته، وذلك على ما يذهب إليه المتطببة في علل سبع الجذام والجرب والجدري والحصبة والبخر والرمد والأمراض الوبائية‏.‏

وقد اختلف العلماء في التأويل، فمنهم من يقول المراد منه نفي ذلك وإبطاله على ما يدل عليه ظاهر الحديث والقرائن المسوقة على العدوى وهم الأكثرون‏.‏ ومنهم من يرى أنه لم يرد إبطالها، فقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ فر من المجذوم فرارك من الأسد، وقال‏:‏ لا يوردن ذو عاهة على مصح، وإنما أراد بذلك نفي ما كان يعتقده أصحاب الطبيعة، فإنهم كانوا يرون العلل المعدية مؤثرة لا محالة، فأعلمهم بقوله هذا أن ليس الأمر على ما يتوهمون، بل هو متعلق بالمشيئة إن شاء كان وإن لم يشأ لم يكن‏.‏ ويشير إلى هذا المعنى قوله‏:‏ فمن أعدى الأول أي إن كنتم ترون أن السبب في ذلك العدوى لا غير فمن أعدى الأول‏؟‏ وبين بقوله‏:‏ فر من المجذوم، وبقوله‏:‏ لا يوردن ذو عاهة على مصح، أن مداناة ذلك بسبب العلة فليتقه اتقاء من الجدار المائل والسفينة المعيوبة‏.‏ وقد رد الفرقة الأولى على الثانية في استدلالهم بالحديثين أن النهي إنما جاء شفقاً على مباشرة أحد الأمرين فتصيبه علة في نفسه أو عاهة في إبله فيعتقد أن العدوى حق‏.‏

قلت‏:‏ وقد اختاره العسقلاني يعني الحافظ ابن حجر في شرح النخبة، وبسطنا الكلام معه في شرح الشرح ومجمله أنه يرد عليه اجتنابه عليه السلام عن المجذوم عند إراد المبايعة مع أن منصب النبوة بعيد من أن يورد لحسم مادة ظن العدوى كلاماً يكون مادة لظنها أيضاً، فإن الأمر بالتجنب أظهر من فتح مادة ظن أن العدوى لها تأثير بالطبع‏.‏ وعلى كل تقدير فلا دلالة أصلاً على نفي العدوى مبيناً والله أعلم‏.‏

قال الشيخ التوربشتي‏:‏ وأرى الثاني أولى التأويلين لما فيه من التوفيق بين الأحاديث الواردة فيه، ثم لأن القول الأول يفضي إلى تعطيل الأصول الطية ولم يرد الشرع بتعطيلها بل ورد بإثباتها والعبرة بها على الوجه الذي ذكرناه‏.‏ وأما استدلالهم بالقرائن المنسوقة عليها فإنا قد وجدنا الشارع يجمع في النهي بين ما هو حرام وبين ما هو مكروه، وبين ما ينهى عنه لمعنى، وبين ما ينهى عنه لمعان كثيرة، ويدل على صحة ما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم المبايع‏:‏ قد بايعناك فارجع، في حديث الشريد بن سويد الثقفي، وقوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم الذي أخذ بيده فوضعها معه في القصعة‏:‏ كل ثقة بالله وتوكلاً عليه، ولا سبيل إلى التوفيق بين هذين الحديثين إلا من هذا الوجه، بين بالأول التوقي من أسباب التلف وبالثاني التوكل على الله جل جلاله ولا إله غيره، في متاركة الأسباب وهو حاله انتهى‏.‏ قال القاري وهو جمع حسن في غاية التحقيق انتهى‏.‏

قلت‏:‏ في كون هذا الجمع حسناً نظر كما لا يخفي على المتأمل، وأما القول بأن الشرع ورد بإثبات الأصول الطبية ففيه أن ورود الشرع لإثبات جميع الأصول الطبية ممنوع، بل قد ورد الشرع لإبطال بعضها، فإن المتطببين قائلون بحصول الشفاء بالحرام وقد ورد الشرع بنفي الشفاء بالحرام، وهم قائلون بثبوت العدوى في بعض الأمراض، وقد ورد الشرع بأنه لا عدوى، فالظاهر الراجح عندي في التوفيق والجمع بين الأحاديث المذكورة هو ما ذكره الحافظ في شرح النخبة والله تعالى أعلم‏.‏

‏(‏ولا طيرة‏)‏ نفى معناه النهي كقوله تعالى ‏(‏لا ريب فيه‏)‏ ‏(‏وأحب الفأل‏)‏ بصيغة المجهول المتكلم من الإحباب ‏(‏قالوا يا رسول الله ما الفأل‏)‏ وإنما نشأ هذا السؤال لما نفوسهم من عموم الطيرة الشامل للتشاؤم والتفاؤل المتعارف فيما بينهم ‏(‏قال‏)‏ إشارة إلى أنه فرد خاص خارج عن العرف العام معتبر عند خواص الأنام وهو قوله‏:‏ ‏(‏الكلمة الطيبة‏)‏ أي الصالحة لأن يؤخذ منها الفأل الحسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرج الشيخان معناه من حديث أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يعجبه‏)‏ أي يستحسنه ويتفاءل به ‏(‏أن يسمع يا راشد‏)‏ أي واجد الطريق المستقيم ‏(‏يا نجيح‏)‏ أي من قضيت حاجته‏.‏

1092- باب ما جاءَ في وصيّته النبيّ صلى الله عليه وسلم في القِتَال

1620- حدثنا محمدُ بن بَشّارٍ حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِي عن سُفْيَانَ عن عَلْقَمَةَ بنِ مرْثدٍ عن سُلَيْمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيهِ قال‏:‏ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا بَعَثَ أميراً على جَيْشٍ أوْصَاهُ في خَاصّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى الله ومَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خيَراً وقال‏:‏ اغْزُوا بِسْم الله وفي سبيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بالله، ولا تَغلوا تغدروا ولا تَمْثلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَليداً، فإذا لَقِيتَ عَدُوُكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فادْعُهُمْ إلى إحْدَى ثلاثِ خِصَالٍ أو خِلاَلٍ أيّهَا أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفّ عنْهُمْ‏:‏ وادْعُهُمْ إلى الإسلامِ والتّحَولِ مِنْ دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرِينَ، وأخْبِرْهُمْ إنْ فَعَلُوا ذلكَ فإنّ لَهُمْ ما لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ ما عَلَى المُهَاجِرِينَ، وإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوّلُوا فأَخْبِرْهُمْ أنّهُمْ يَكُونُوا كأعْرَابِ المُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ ما يَجْرِي على الأعْرَابِ، لَيْسَ لَهُمْ في الغَنِيمَةِ والْفَيءِ شَيْءٌ إلاّ أن يُجَاهِدُوا، فإنْ أبَوْا فَاسْتَعِنْ بالله عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ‏.‏ وإذا حَاصَرْتَ حِصْناً فَأَرَادُوكَ أنْ تَجْعَلَ لهم ذمة الله و ذِمّةَ نَبيّهِ فلا تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمّةَ الله ولا ذِمّةَ نَبِيّهِ واجْعَلْ لَهُمْ ذِمّتَكَ وذِمَمَ أصْحَابِكَ، لأنّكُمْ إن تُخْفِرُوا ذِمّتكُمْ وَذِمَمَ أصْحَابِكُمْ خَيْرٌ مِنْ أنْ تُخْفِرُوا ذِمّةَ الله وذِمّةَ رسولِهِ، وإذا حَاصَرْتَ أهْلَ حِصْنٍ فأرَادُوكَ أنْ تُنزلهم على حُكْمِ الله فلا تُنْزِلُوهُمْ ولكن أنْزِلْهُمْ على حُكْمِكَ فَإِنّكَ لاَ تَدْرِي أتُصِيبُ حُكْمَ الله فيهِمْ أم لا أو نَحْوَ هذا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عن النّعْمانِ بن مُقَرّنٍ وحديثُ بُرَيْدَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1621- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أبو أحمدَ عن سُفْيَان عن عَلْقَمَةَ بن مَرْثَدٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ وزَادَ فيهِ‏:‏ ‏"‏فإنْ أبَوْا فَخُذْ مِنهم الْجِزْيَةَ، فإنْ أبَوْا فاسْتَعِنْ بالله عليهم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هكذا رَوَاهُ وَكِيعٌ وغيرُ واحدٍ عن سُفْيَانَ وَرَوَى غَيْرُ محمدِ بنِ بَشّارٍ عن عبدِ الرحمَنِ بن مَهْدِي وَذَكَرَ فيهِ أمْرَ الْجِزْيَةِ‏.‏

1622- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عليّ الْخَلاّلُ حدثنا عَفّانُ حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ حدثنا ثَابِتٌ عن أنَسِ قال‏:‏ ‏"‏كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يُغَيرُ إلاّ عندَ صَلاَةِ الفَجْرِ، فإن سَمِعَ أذَاناً أمْسَكَ وإلاّ أغَارَ، فاسْتَمَعَ ذَاتَ يَوْمٍ فَسَمِعَ رَجُلاً يقول‏:‏ الله أكبر الله أكبر، فقالَ‏:‏ على الفِطْرةِ‏:‏ أشْهَدُ أن لا إلهَ إلا الله، فقال خَرَجْتَ مِنَ النّارِ‏"‏‏.‏

قال الْحَسَنُ وحدثنا أبو الوَلِيدُ حدثنا حمّادُ بنُ سَلَمَةَ بهذا الإسْنَادِ مِثْلَهُ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوصاه في خاصة نفسه‏)‏ أي في حق نفسه خصوصاً وهو متعلق بقوله ‏(‏بتقوى الله‏)‏ وهو متعلق بأوصاه ‏(‏ومن معه‏)‏ معطوف على خاصة نفسه أي وفي من معه ‏(‏من المسلمين‏)‏ بيان لمن ‏(‏خيراً‏)‏ منصوب بنزع الخافض أي بخير، قال الطيبي‏:‏ ومن في محل الجر ومن باب العطف على عاملين مختلفين، كأنه قيل أوصى بتقوى الله في خاصة نفسه، وأوصى بخير في من معه من المسلمين، وفي اختصاص التقوى بخاصة نفسه والخير بمن معه من المسلمين إشارة إلى أن عليه أن يشد على نفسه فيها يأتي ويذر، وأن يسهل على من معه من المسلمين ويرفق بهم كما ورد‏:‏ يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ‏(‏وقال اغزوا بسم الله‏)‏ أي مستعينين بذكره ‏(‏وفي سبيل الله‏)‏ أي لأجل مرضاته وإعلاء دينه ‏(‏قاتلوا من كفر بالله‏)‏ جملة موضحة لا غزوا ‏(‏ولا تغلوا‏)‏ من الغلول من باب نصر ينصر أي لا تخونوا في الغنيمة ‏(‏ولا تغدوا‏)‏ بكسر الدال أي لا تنقضوا العهد، وقيل لا تحاربوهم قبل أن تدعوهم إلى الإسلام ‏(‏ولا تمثلوا‏)‏ بضم المثلثة‏.‏ قال النووي في تهذيبه‏:‏ مثل به بمثل كقتل إذا قطع أطرافه‏.‏ وفي القاموس‏:‏ مثل بفلان مثله بالضمير نكل كمثل تمثيلاً‏.‏ وفي الفائق إذا سودت وجهه أو قطعت أنفه ونحوه ‏(‏ولا تقتلوا وليداً‏)‏ أي طفلاً صغيراً ‏(‏فإذا لقيت‏)‏ الخطاب الأمير الجيش، قال الطيبي‏:‏ هو من باب تلوين الخطاب خاطب أولاً عاماً فدخل فيه الأمير دخولاً أولياً ثم خص الخطاب به فدخلوا فيه على سبيل التبعية كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏يا أيها النبي إذا طلقتم‏)‏ خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء ‏(‏أو خلال‏)‏ شك من الراوي والخصال والخلال بكسرهما جمع الخصلة والخلة بفتحهما بمعنى واحد ‏(‏فأيتها أجابوك‏)‏ أي قبلوها منك ‏(‏وكف عنهم‏)‏ بضم الكاف وفتح الفاء المشددة ويجوز ضمها وكسرها أي امتنع عنهم ‏(‏ادعهم‏)‏ أي أولاً ‏(‏والتحول‏)‏ أي الانتقال ‏(‏من دارهم‏)‏ أي من دار الكفر ‏(‏إلى دار المهاجرين‏)‏ أي إلى دار الإسلام، وهذا من توابع الخصلة الأولى، بل قيل إن الهجرة كانت من أركان الإسلام قبل فتح مكة ‏(‏أنهم إن فعلوا ذلك‏)‏ أي التحول ‏(‏فإن لهم ما للمهاجرين‏)‏ أي الثواب واستحقاق مال الفيء، وذلك الاستحقاق كان في زمنه صلى الله عليه وسلم فإنه كان ينفق على المهاجرين من حين الخروج إلى الجهاد في أي وقت أمرهم الإمام سواء كان من بإزاء العدو كافياً أو لا بخلاف غير المهاجرين فإنه لا يجب الخروج عليهم إلى الجهاد إن كان بإزاء العدو من به الكفاية، وهذا معنى قوله‏:‏ ‏(‏وعليهم ما على المهاجرين‏)‏ أي من الغزو ‏(‏وإن أبوا أن يتحولوا‏)‏ أي من دارهم ‏(‏كأعراب المسلمين‏)‏ أي الذين لازموا أوطانهم في البادية لا في دار الكفر ‏(‏يجري عليهم ما يجري على الأعراب‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ يجري عليهم حكم الذي يجري على المؤمنين أي من وجوب الصلاة والزكاة وغيرهما والقصاص والدية ونحوهما ‏(‏إلا أن يجاهدوا‏)‏ أي مع المسلمين ‏(‏وإذا حاصرت حصناً‏)‏ وفي رواية مسلم أهل حصن ‏(‏فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه‏)‏ أي عهدهما وأمانهما ‏(‏فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه‏)‏ أي بالإجماع ولا بالإفراد ‏(‏فإنكم إن تحفروا‏)‏ من الإخفار أي تنقضوا ‏(‏فلا تنزلوهم‏)‏ أي على حكم الله ‏(‏فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا‏)‏ قال النووي‏:‏ قوله فلا تجعل لهم ذمة الله نهي تنزيه فإنه قد ينقضها من لا يعرف حقها وينتهك حرمتها بعض الأعراب وسواد الجيش، وكذا قوله ‏"‏فلا تنزلهم على حكم الله‏"‏ نهي تنزيه، وفيه حجة لمن يقول ليس كل مجتهد مصيباً بل المصيب واحد وهو الموافق لحكم الله في نفس الأمر، ومن يقول إن كل مجتهد مصيب يقول معنى قوله ‏"‏فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم‏"‏ أنك لا تأمن أن ينزل عليّ وحي بخلاف ما حكمت، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد من تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة لقد حكمت فيهم بحكم الله، وهذا المعنى منتف بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيكون كل مجتهد مصيباً انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ وهو مذهب المعتزلة وبعض أهل السنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن النعمان بن مقرن‏)‏ أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي في باب الساعة التي يستحب فيها القتال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحديث بريدة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد‏)‏ أي محمد بن بشار في روايته من طريق أبي أحمد ‏(‏فإن أبوا‏)‏ أي فإن امتنعوا عن الإسلام ‏(‏فخذ بهم الجزية‏)‏ استدل به مالك والأوزاعي ومن وافقهما على جواز أخذ الجزية من كل كافر عربياً كان أو عجمياً كتابياً أو غير كتابي، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب الجزية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يغير‏)‏ من الإغارة ‏(‏إلا عند صلاة الفجر‏)‏ وفي رواية‏:‏ كان يغير إذا طلع الفجر ‏(‏فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار‏)‏ قال القاضي‏:‏ أي كان يتثبت فيه ويحتاط في الإغارة حذراً عن أن يكون فيهم مؤمن فيغير عليه غافلاً عنه جاهلاً بحاله‏.‏ قال الخطابي‏:‏ فيه بيان أن الأذان شعار لدين الإسلام لا يجوز تركه، فلو أن أهل بلد أجمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ وكذا نقل عن الإمام محمد من أئمتنا انتهى، وفيه دليل على جواز قتال من بلغته الدعوة بغير دعوة، وفي هذا الحديث دليل على جواز الحكم بالدليل لكونه صلى الله عليه وسلم كف عن القتال بمجرد سماع الأذان، وفيه الأخذ بالأحوط في أمر الدماء لأنه كف عنهم في تلك الحال مع احتمال أن لا يكون ذلك على الحقيقة ‏(‏واستمع ذات يوم‏)‏ لفظ ‏"‏ذات‏"‏ مقحم ‏(‏فقال على الفطرة‏)‏ فيه أن التكبير من الأمور المختصة بأهل الإسلام وأن يصح الاستدلال به على إسلام أهل قرية سمع منهم ذلك ‏(‏قال خرجت من النار‏)‏ هو نحو الأدلة القاضية بأن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وهي مطلقة مقيدة بعدم المانع جمعاً بين الأدلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الحسن‏)‏ هو الحسن بن علي الخلال ‏(‏وحدثنا الوليد‏)‏ كذا في النسخة الأحمدية وهو غلط وفي بعض النسخ حدثنا أبو الوليد وهو الصواب، واسمه هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم الطيالسي، روى عن حماد بن سلمة وغيره وعنه الحسن بن علي الخلال وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم‏.‏